حسام كنفاني
قلق عالمي وانقسام بين اعتراف ورفض لاستقلال كوسوفو. لكل دولة ما يقلقها من سابقة الانفصال أُحادي الجانب المدعوم أميركياً. ولكل دولة بؤر توتّر تسعى إلى الانفصال قد تكون تجربة الإقليم الصربي محفّزاً لها إذا أحسنت التقرّب من الراعي الأميركي لعمليات الاستقلال الجديدة.
غير أن التقرّب ليس دواءً شافياً، في كل الأحوال، وقد يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلطته في الضفة الغربية خير دليل على ذلك؛ فأبو مازن لم يوفر فرصة لإظهار مدى التزامه الخطَّ الأميركي المرسوم لمسار التسوية، ورضي بما دون الطموح الفلسطيني لـ«تبييض» الوجه الأميركي في مؤتمر أنابوليس، وهو اليوم لا يزال ينتظر التفاتة أميركية للمفاوضات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية، التي تثبت يومياً بعد يوم أنها عديمة الجدوى. وهو يبدي استعداداً بغير كلل لمحاربة أبناء شعبه وتاريخهم وقصة نضالهم في سبيل تحقيق «رؤية» الرئيس جورج بوش. رؤية تقود إلى أكثر من ذلك بكثير، ومع ذلك لم يبد عبّاس أي اعتراض.
إلا أن الاستقلال لم يأت بعد، ولا يبدو أنه سيأتي في وقت قريب. ولا شك أن الرئيس الفلسطيني ينظر بحسرة إلى ظهور الدولة المستقلة الجديدة الرقم 193 على خريطة العالم، ويمني النفس أن تكون تحمل «دولته» الرقم 194، وهو رقم القرار الدولي الشهير الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. ومع ذلك، قد لا يجد الرئيس الفلسطيني أي مضض في ألا تتطابق أسس الدولة مع القرار الدولي الذي قد يحمل رقمها.
انتظار عباس قد يطول، وسبحة الدول قد تكرّ لتتخطى كل أرقام القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية. فلا يبدو أن الإدارة الأميركية في المستقبل المنظور مستعدة للخوض في تفاصيل «الاستقلال الفلسطيني» لا المتفق عليه ولا الأحادي الجانب.
وعليه، فالتردّد الإسرائيلي الحالي للاعتراف بالدولة الوليدة الجديدة، على اعتبار أنها قد تكون سابقة تصيب عدواها الفلسطينيين، لا مبرّر له على الإطلاق لأكثر من معطى لا يطابق الحال الفلسطينية الحالية مع الوضع في كوسوفو، ولا يبدو أنها قد تتطابق في القريب العاجل.
وبغض النظر عن الغطاء الأميركي الذي أمّن استقلال ألبان الإقليم الصربي، وهو مفقود فلسطينياً، فإن عباس ومجموعته غير مستعدين لإعلان استقلال من جانب واحد، وحتى إن مثل هذا الأمر غير مدرج في حساب الفريق التفاوضي الفلسطيني، رغم أنه كان مدرجاً في جدول خيارات الزعيم الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) واستعمله في أكثر من مناسبة. فإضافة إلى بيان إعلان الاستقلال الذي صدر من تونس في عام 1988، فإن أبو عمّار كان دائم التلويح، عند أي عثرة في طريق المفاوضات، بورقة الاستقلال الأحادي.
وحتى لو جرؤ عبّاس على إعلان مثل هذا الاستقلال أو حتى التلويح به، فإنه قد لا يجد من يعترف به أو يشجعه باستثناء مجموعة قليلة جداً من الدول العربية والإسلامية. فدول الاعتدال العربي المتشبثة بـ«خيار السلام الاستراتيجي» غير مستعدة للدخول في صدام مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وقد تكون من أوائل الدول المطالبة بـ«ضبط النفس» بدل الاصطفاف كليّاً خلف الخيار الاستقلالي الفلسطيني.
والعائق الأهم أمام استنساخ تجربة كوسوفو فلسطينياً هو غياب مظاهر الوحدة الألبانية على الساحة السياسية الفلسطينية. وإن كان الجميع قد يتفق على خيار الاستقلال، إلا أن الخلاف قد ينشب على ماهيّة الدولة ودستورها ونظام حكمها، من دون الحديث عن حدودها الدائمة أو المؤقتة.
معطيات كثيرة تفرض الانتظار الفلسطيني الطويل، والوقوف في آخر صف الدول الطامحة إلى الاستقلال.