برلين ــ غسان أبو حمد
بدأت الحكومة الألمانية اتصالات سرّية في واشنطن تمهيداً لسحب قواتها العسكرية من مهمة «السلام الدائم» في أفغانستان. وتفيد مصادر في الحكومة الألمانية بأن المشاركة العسكرية الألمانية في أفغانستان، والبالغ عددها حالياً 3500 عسكري، سوف تكون قريباً رمزية جداً، خلافاً لمطلب وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بمواصلة الحرب على الإرهاب وتوسيع إطار المشاركة الألمانية.
ودخلت قضية المشاركة العسكرية الألمانية في إطار «البازار» الانتخابي، على أعتاب الانتخابات البرلمانية العامة المقررة في عام 2009، في محاولة لكسب أصوات الناخبين الرافضين بشكل عام مشاركة جيشهم في حروب خارج أرضه. وتشير الإحصائيات الانتخابية الأخيرة إلى تراجع واضح في شعبية التجمع المسيحي الديموقراطي لمصلحة الأحزاب اليسارية، وتحديداً الحزب الاشتراكي الديموقراطي، الذي بات على أعتاب تسلّم السلطة إذا أحسن تحالفاته الجديدة وتمكّن من رصّ صفوف الناخبين حول رفض المشاركة العسكرية الألمانية في حروب خارج أرضه، معتبراً أن ذلك «يشكّل توجيه بطاقة دعوة صريحة ومفتوحة إلى التنظيمات الإرهابية، لزيارة ألمانيا أو مؤسساتها الرسمية ومصالحها الاقتصادية، المنتشرة في جميع أنحاء العالم».
ولأن مخاطبة الناخبين الألمان ودعوتهم «صراحة» للمشاركة في حروب الآخرين صعبة ومعقدة، استعان «التجمع المسيحي الديموقراطي» بوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر لترجمة أهمية المشاركة الألمانية والدول الأوروبية في الحروب ضدّ «التنظيمات الدينية الإسلامية الأصولية».
واتّهم كيسنجر (84 عاماً)، في حديث لمجلّة «درشبيغل»، الأوروبيين بقلّة الفهم وسوء التقدير. ودعاهم إلى المحافظة على وجودهم في «القارب الغربي» عبر توسيع مشاركتهم العسكرية وتوجيه ضربة قوية إلى «حزب الله» وحركة «حماس»، والالتزام بأسلوب: «نحن نقاتل... نحن موجودون».
ويضيف كيسنجر: «يجب على المستشارة أنجيلا ميركل وسواها من القادة الأوروبيين التفكير بالانتخابات النيابية المقبلة. ومن المؤسف أن بعضهم لا يشعر بالخطر وبانعكاس تسلم الإسلام الأصولي السلطة في كابول أو بغداد أو الرياض».
وعن موقفه من الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، أعلن كيسنجر (حامل جائزة نوبل للسلام عام 1973) تأييده للمرشح الجمهوري جون ماكاين لكونه «يطالب في حملته الانتخابية بمواصلة الحرب في الدول الإسلامية وعدم الانسحاب والاستسلام». ورأى أن انسحاب القوات الأميركية من العراق «من دون صيغة اتفاق سياسي واضحة»، كما يطالب الحزب الديموقراطي، «سوف يساء فهمه ويعتبر عجزاً واستسلاماً، ويؤدّي بالتالي إلى تقوية الإرهاب وإلى حلول نتائج الكارثة بدول الغرب». وتابع «سوف ينقل عدوى الأصولية إلى بقية الدول الإسلامية. إن القضية لا تعني الولايات المتحدة وحدها، بل تعني بالقدر ذاته الاتحاد الأوروبي والمجتمعات الغربية».
وكرّر كيسنجر ما سبق أن اقترحه قبل 30 عاماً: «إقامة خطّ اتصال هاتفي مفتوح بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأن سيادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تفترض اليوم أكثر من الماضي تصوراً غربياً مشتركاً وموحداً للحفاظ على الوجود».