strong>معمر عطوي
يبدو أن التيار المُعارض لسياسة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، داخل صفوف المحافظين، لم يحظ بالدعم الكافي لتشكيل لائحته الخاصة من أجل المشاركة في الانتخابات التشريعية التي تجرى في 14 آذار المقبل.
تجلَّى ذلك من خلال انضمام ممثل المرشد الأعلى للثورة، الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني، إلى لائحة التحالف الرئيسي للمحافظين «الجبهة المتحدة للمدافعين عن المبادئ» بقيادة نجاد.
حدث ذلك رغم الامتعاض الواضح في صفوف بعض المحافظين من الأداء السياسي للرئيس في إدارة الملف النووي ومعالجة الشأن الاقتصادي. امتعاض دفع بعض عناصر معسكر السلطة للعمل على تشكيل تيار معارض لأصولية نجاد، من دون أن يلتقي هذا التيار مع الإصلاحيين.
هذا التيار خرج من رحم الجبهة المتحدة تحت اسم «التحالف الموسَّع والشعبي للمدافعين عن المبادئ» بقيادة شخصيات ذات ثقل على المسرح السياسي، من طراز لاريجاني ورئيس بلدية طهران محمد باقر قليباف وسلفه القائد الأسبق للحرس الثوري، محسن رضائي.
ويعود تبلور هذا التيار إلى أشهر خلت، بعدما أثارت انتقادات نجاد الشديدة للغرب وإسرائيل، تحفظَّات بعض أركان التيار المحافظ، وذلك في محاولة لتجنيب البلاد خطر العزلة.
غير أن حساب الحقل لم يوافق حساب البيدر لدى هؤلاء، بعدما فشلوا في تشكيل لائحة مستقلة عن الجبهة المتحدة. لقد سعى المحافظون الجدد منذ أسابيع لتشكيل لائحة انتخابية مستقّلة عن لائحة أصوليي نجاد، وكان من المفترض أن يعلن عن هذه اللائحة في الرابع من الجاري. لكن إعلان انضمام لاريجاني إلى لائحة الجبهة المتحدة، حمل مؤشرات على إمكان فشل هذا التيار في خياراته «الاستقلالية».
لعلَّ ذلك يعود إلى قناعة المفاوض النووي السابق، بأن وحدة الجبهة كأكبر تحالف للمحافظين، أهم من تشتيت الأصوات الذي سيصب بلا شك في مصلحة الإصلاحيين.
هذا الهاجس كان قد عبّر عنه أحد أعضاء جبهة نجاد، علي رضا زكاني، بقوله «إذا لا سمح الله قدَّم المدافعون عن المبادئ لوائح منفصلة، فإنها لن تكون فعلياً متنافسة»، مشيراً إلى الاتفاق على منافسة الإصلاحيين «نعلم من هم خصومنا».
من هنا يبدو أن الاختلاف في تقويم سياسة الحكومة لم يصل بعد إلى حد القطيعة بين التيارين. بل يمكن القول إن مناصري الرئيس المحافظ قد عززُّوا مواقعهم بعد رفض عدد كبير من طلبات مرشحي الإصلاح والوسط. وبات فوز «جمعية الأوفياء للإمام»، التي تضم 14 تنظيماً، بغالبية أعضاء مجلس الشورى شبه مؤكدة.
وربما شعر الأصوليون بخطورة قيام أصدقاء لاريجاني، المرشَّح عن مدينة قم الدينية، بتشكيل لائحة يمكن أن تخرق جبهتهم، فعمدوا الى إجراء تسويات من شأنها التركيز على النقاط المشتركة بين تياري المحافظين.
يؤكد ذلك تصريح أحد أقطاب المحافظين، شهاب الدين الصدر، الذي كشف أن تنظيمه يواصل التفاوض للحصول على انضمام رعاة الائتلاف المنافس ومن بينهم، إضافة الى لاريجاني، قاليباف ورضائي.
الصدر، الذي وصف الائتلاف الموسّع بـ«الهامشي»، قلَّل من حجم الخلافات بين التيارين بحصرها بـ«نقاط بسيطة» ولا سيما في «قائمة طهران» التي ينتخب عنها 30 نائباً، مشيراً الى «خلافات على الأشخاص لا على المبادئ».
مما لا شك فيه أن الشخصيات الثلاث الذين يمثلون «تيار الانشقاق» لا تربطهم علاقة مودة مع نجاد، ولا سيما لاريجاني الذي استقال في تشرين الماضي من منصبه كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي، بسبب خلافه مع الرئيس على تكتيك التفاوض في الملف النووي. إلا أن هذا التيّار البراغماتي، أراد من خلال تشكيل ائتلاف ضد الحكومة، استعادة بعض المواقع الوزارية والإدارية، التي قام الرئيس المتشدد بتغيير طواقمها لمصلحة سياسته. وأصبحت فرضية بروز شخصيات دينية متضرّرة من سياسة خامنئي الهادفة إلى استبدال الملالي بالشباب المتحمسين للثورة، أقرب الى المنطق.
هذا ما ظهر في كلام لاريجاني نفسه حين تحدَّث عن نظرته السلبية لمسألة ترشحه، كاشفاً عن إيعاز من «زعماء دينيين» لم يسمّهم طلبوا منه المشاركة في الانتخابات.
لكن في المحصّلة، بدا أن هذا التيار قد أدرك خطورة قيامه بتشكيل لائحة منفصلة عن الجبهة المتحدة. إدراك نابع من اعتبارات تتعلق بصورة الخريطة السياسية المقبلة للبلاد، في ظل تحديّات لا تزال تواجه إيران، أبرزها شبح الحرب الاسرائيلية ـــــ الأميركية، التي قد تأتي عاجلاً أو آجلاً.