أرنست خوري
الحملة العسكريّة التركيّة البريّة على شمال العراق، جاءت مفاجئة في توقيتها، ويبدو أنها ستكون طامحة في أهدافها.
التوقيت له الكثير من المعطيات التي قد تبرّره. أمّا الأهداف، فيُخشى أن تنقل الصراع التركي ــــ الكردي من إطاره المعروف (جيش تركي ضدّ حزب العمّال على أراضي العراق)، إلى حيّز قد يصبح خارجاً عن أيّ سيطرة، مع تلميح بعض المصادر إلى أنّ الحملة لن تتوقّف حتّى إيجاد منطقة عازلة داخل الأراضي العراقيّة تحت سيطرة الجيش التركي «إلى أمدٍ غير محدّد».
ليس سرّاً أنّ الحملة البريّة كان مقرّراً أن تبدأ في الربيع المقبل. كانت نهاية شهر آذار ومطلع نيسان الموعد النموذجي. في هذه الفترة، يذوب الجليد والثلج من جبال دهوك وقنديل، معقل المقاتلين الأكراد، والظروف المناخيّة في الحالة الكرديّة ليست تفصيلاً. فعلى امتداد نحو قرن من القتال، قليلة هي الحملات التي شنّتها أنقرة على المقاتلين الأكراد في فصول الشتاء. ففي هذه الجبال، طبيعة الحرب مرتبطة عضوياً بالمناخ. السبب واضح، المعارك هناك تأخذ قبل كلّ شيء، طابع حرب العصابات: كمائن وكرّ وفرّ. الأسلحة: ألغام وبنادق قنص. الغطاء الجوّي والقصف المدفعي مهمّان، لكنّهما لا يحسمان الحرب.
على هذا الأساس، لا بدّ من أنّ أسباباً موجبة جدّاً وقفت خلف التوقيت الذي اختارته القيادة العسكرية والسياسية. أبرز الملاحظات في هذا السياق تُختَصَر بالآتي:
ــــ المعطى الأوّل عسكري بحت، يتعلّق بعنصر مفاجأة المقاتلين الأكراد، على اعتبار أنّ هؤلاء لم يكونوا يتوقّعون أن ترسل تركيا جيشها للغرق في ثلوج كردستان في شهر شباط.
ــــ الثاني يرتبط بحصد سريع للتنسيق الاستخباري التركي ــــ الأميركي. تنسيق بلغ من العمر 5 أشهر، منذ اتفق جورج بوش ورجب طيب أردوغان في واشنطن على جعل المعركة مع الأكراد، معركة أميركية أوّلاً، تطبيقاً لـ«نظرية» بوش الفذّة، التي رأى فيها أنّ «العمّال الكردستاني الإرهابي عدوّ الولايات المتحدة بقدر ما هو عدوّ أنقرة».
الجيش التركي استفاد كثيراً من الدعم الأميركي العسكري واللوجستي والاستخباري. كبار جنرالات الجيش كشفوا أنهم استطاعوا، بفضل واشنطن، رصد جميع وسائل الاتصال التي يعتمدها المقاتلون الأكراد. التنصّت السلكي واللاسلكي، والصور الواردة من الأقمار الاصطناعيّة الأميركية عن حركة وتنقّلات مجموعات المقاتلين، وفّر لتركيا قاعدة معلومات قيّمة للغاية، ستسهّل مهمّة «القضاء نهائياً» على الحزب الكردي. لعل من المفيد الإشارة إلى أن البدء بالاجتياح جاء بعد أقلّ من 10 أيّام على مغادرة نائب رئيس الأركان في الجيش الأميركي، جايمس كارترايت، أنقرة، حيث بات شبه أكيد من أنّ تركيا نالت الموافقة الأميركيّة على الحملة العسكرية منه، بدليل الدعم الذي أتى على لسان كبار المسؤولين الأميركيين لـ«حقّ تركيا في الدفاع عن نفسها».
ــــ ثالثاً، في الدوافع التركيّة الداخليّة للتعجيل في موعد الحرب، عنصر سيبقى رئيسيّاً في حسابات حكّام أنقرة: حزب «العدالة والتنمية» الحاكم يواجه حاليّاً مرحلة من التراجع الشعبي النسبي. فهو يقود حملة على جبهات عديدة: الحجاب، وقانون الجمعيات، وتعديل قانون رقم 301 (شتم القومية التركية)، والانفتاح على العلويّين، والاستعداد لتوحيد قبرص... جميعها قضايا يسير بها قدماً لكنّها تقضم بعض الشعبية العائمة للحزب. وفي تركيا، أسهل الطرق ليلمّ أيّ طرف سياسي الناس حوله، هو التعبئة القوميّة الموجّهة ضدّ الأكراد. حينها يمكن للعلمانيّين وللإسلاميّين أن يغفروا لأي حزب «خطاياه». وهكذا حصل، فور بدء الحملة، وجد الحزب الحاكم نفسه محاطاً بالتضامن والتأييد من «أعدائه» يميناً ويساراً: حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القوميّة، وحزب اليسار الديموقراطي استذكروا أبرز عبارات الثناء ليغدقوها على خيار الحملة البرية الشاملة. وحده حزب «المجتمع الديموقراطي» الكردي، أبدى رفضه الكامل للخيار العسكري.