بسّام الطيارة
انتقدت سيغولين رويال، خلال جولتها لدعم المرشّحين الاشتراكيين في الانتخابات البلدية المقبلة، طروحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، التي يطلقها في كل الاتجهات. قالت: «كل يوم هناك طرح هدفه بالطبع التغطية على طرح اليوم السابق... إنّها بلبلة حقيقية».
قد يوافق الكثيرون المرشّحة السابقة للانتخابات الرئاسية على هذا التقويم «لتيّار الطروحات اليومية التي يصدرها ساركوزي». إلا أنّهم يتفقون أيضاً على أنّ ساركوزي يتبع خط «تنفيذ ما ورد في برنامجه الانتخابي» ولو على حساب شعبيته التي وصلت إلى الحضيض في الأيام الأخيرة.
ويفسّر عدد من المقرّبين من الرئيس تراجع شعبيته بوصفها نتيجة لـ«مخاض الإصلاحات المؤلمة»، ويقولون إنّه عندما تظهر نتائجها الإيجابية، فإن النقد سيتراجع ويعود ساركوزي للتألّق في ساحة استطلاعات الرأي.
غير أن بعض المحللين يقولون إنّ خط عمل ساركوزي فيه «بعض السذاجة الممزوجة بالمراهقة السياسية المثيرة للشفقة والإعجاب في آن واحد». فهو يرى أنه وصل إلى الإليزيه بناءً على برنامج وافقه عليه ٥٤ في المئة من المواطنين، وهو بالتالي ملتزم تنفيذه للمحافظة على ثقة من صوَّت له. إلّا أنّ هذا الأمر يطرح مسألة «التوافق على قراءة موحّدة لبرنامج ساركوزي الانتخابي»، إذ تبدو الأمور كأنّه وُجِدَ «سوء تفاهم كبير بشأن مقاصد وأهداف» هذا البرنامج بين الناخِب والمُنتَخَب وهو ما يفسر «تراجع الشعبيّة» مع كلّ تقدم على مسار تطبيق برنامج الإصلاحات هذا.
وقد مثّل إقرار قانون «الحجز الاحتياطي» للمساجين المحكومين في بعض الجنايات الكبرى، الذين أنهوا مدة مسجونيتهم الطويلة إذا لم يخضعوا خلالها لعلاج ناجح، مدخلاً جديداً لجدل جديد، وخصوصاً أنّه يمثّل نموذجاً حقيقياً لنسبة توافق ساركوزي وناخبيه على الإصلاحات ونوعيتها. فعندما اقترح «المرشح ساركوزي» إبقاء «المجرمين الانتكاسيّين» في السجن منعاً لتكرار جرائمهم عند خروجهم منه، كان ذلك في مطلع الحملة الانتخابية وفي خضم مأساة اغتصاب «انتكاسي» لطفل في مطلع عمره. وبالطبع، فقد لاقى هذا الطرح الاستحسان لدى الرأي العام الواقع آنذاك تحت وطأة عصف قوّة الصدمة وتشنّج عواطف المواساة لما حصل وتناقل الإعلام للحدث.
أما الآن، وقد بردت الحماسة العاطفية، فقد بانت للجميع أبعاد هذا القانون وإجحافه في حقوق المسجون وتناقضه مع أبسط حقوق الإنسان والقانون. فهو يمثّل، كما يشير إليه معظم منتقديه، تحوّلاً في فلسفة القانون الفرنسي، الذي يرى أن المسجون الذي قضى عقوبته يكون قد «دفع للمجتمع ما توجّب عليه بفعل مخالفته قوانينه»، وبالتالي، فمن الإجحاف إبقاؤه في السجن «احتياطياً لجناية قد يرتكبها»، ما يفتح الأبواب واسعة أمام «غوانتانامو فرنسي» خارج سقف القانون والقضاة يسلّم أمر المساجين فيه لـ«خبراء وعلماء نفس وإداريين» ولنسبية المعايير خارج أي إطار قضائي.
وبالطبع، فقد لجأ معارضو القانون إلى المجلس الدستوري الذي، رغم عدم «معارضته القانون من حيث مبدأ الحيطة»، وضع إطارات وشروطاً وضوابط تجعل تطبيقه شبه مستحيل، ليس أقلّها في ألّا يكون له مفعول رجعي بحيث لا يمكن تطبيقه قبل عام ٢٠٢٣. أمّا من حيث الضوابط، فقد شدّد المجلس على مسؤولية الدولة في تأمين علاج المجرمين، بحيث إن غيابه يمنع تطبيق الحجز الاحتياطي، الذي يفرض نفسه فقط في حال «رفض المسجون الخضوع له إذا عُرض عليه».
إلّا أنّ الجدل انتقل إلى ساحة أخرى بعدما طلب ساركوزي من المدعي العام «إيجاد وسيلة للبدء بتطبيق القانون فوراً»، وهو ما رآه البعض محاولة للالتفاف على قرارات المجلس الدستوري، الذي يمثّل أعلى سلطة قضائية في البلاد. وذلك بينما يشارك البعض الآخر رأي رويال بأنّ الرئيس يطرح كل يوم طرحاً جديداً لإغناء النقاش حول شخصه ولاحتلال الساحة الإعلامية فقط على أساس أن طرح اليوم يطرد طرح أمس، وهكذا دواليك بانتظار نتائج استطلاعات الرأي هذا الأسبوع.
والجديد اليوم هو «مشادّته» مع مواطن عند افتتاح المعرض الزراعي، التي تتناقلها تلفزيونات فرنسا والعالم من دون توقف منذ عطلة الأسبوع. فقد رفض مواطن يد ساركوزي الممدودة لمصافحته قائلاً له «لا تمسّني، لا أريد أن توسّخني»، فما كان من الرئيس إلا أن قال له: «إذاً ابتعد. ابتعد أيها الحقير».
ذكّرت هذه الحادثة بمشادة وقعت مباشرة بعد دخول ساركوزي إلى الإليزيه حصلت في مرفأ في غرب فرنسا، حين دعا الرئيس أحد صيّادي السمك المشاركين في تظاهرة للتنديد بزيارته إلى «النزول للتفاهم معه» فأجاب الصياد «إذا نزلت أضربك» فردّ الرئيس «إنزل إذا كنت رجلاً».
هل هفوات ساكن الإليزيه الاستفزازية مؤشّر على «عامل انتكاسي» في تصرّفاته، أم أنها مقصودة بهدف إعلامي مدروس. في كلتا الحالتين فإنها لا تساعد على استعادة شعبيته بأي شكل من الأشكال.