ربى أبو عمو
يبدو أن حلّ الأزمة البلجيكية، التي ناهز عمرها ستة أشهر وتعدّ الأطول في تاريخ البلاد، بات مرهوناً بمدى قدرة رئيس الوزراء المؤقت غي فيرهوفشتا، وأسلوبه الليّن في تأمين التحام الطوائف المتصارعة، والمتمثلة في مجموعة من الأحزاب، بعدما كلّفه الملك ألبرت الثاني مهمّة حل هذه الأزمة «الملحمية» أول من أمس.
لكن، لماذا وقع الاختيار عليه؟ بات واضحاً أن ملك البلاد دخل في مأزق درامي بعدما فشل الزعيم المسيحي الديموقراطي الفلامنكي إيف لوتيرم، الذي فاز في الانتخابات في المعسكر الفلامنكي في العاشر من حزيران الماضي، في تشكيل الحكومة بسبب الاختلاف بين الأحزاب الفلامنكية والفرنكوفونية في إصلاح المؤسسات البلجيكية. فلم يبق له إلاّ خيار الانسحاب من المهمة يوم السبت الماضي.
وهذا الفشل هو الثاني من نوعه، بعدما كان لوتيرم قد انسحب في 23 آب الماضي من مهمة «لمّ الشمل»، لعدم تمكنه من التوصل إلى تسوية بين أحزاب يمين الوسط الفلمنكية والفرنكفونية في التحالف الذي كان يحاول تأليفه، وأطلق عليه تسمية «البرتقالة الزرقاء». وعاود الملك تكليفه المهمة في نهاية أيلول الماضي لغياب البديل.
ومنذ ذلك الوقت، تركزت التحليلات الصحافية على احتمال أن يلجأ الملك إلى إعلان حكومة الطوارئ برئاسة فيرهوفشتا، الذي تتولّى حكومته، بحسب دستور البلاد، تصريف الأعمال إلى حين تأليف حكومة جديدة. إلا أن الملك قرّر نأي البلاد عن هذا الاحتمال، والمحاولة مجدداً، لينصاع إلى الطريقة التقليدية في معالجة الأمور؛ فالبلاد الغارقة في الفراغ الحكومي منذ 177 يوماً، لن «تغصّ» إذا ما طالت الأزمة بعض الوقت، في حال توافُر حظوظ إنقاذية.
وكان فرهوفشتا، الليبرالي الفلامنكي الذي يتولى رئاسة الحكومة البلجيكية منذ عام 1999، قد قدّم استقالة حكومته غداة الانتخابات التشريعية في 10 حزيران الماضي، التي خسر فيها حزبه. وتعود القضية الخلافية إلى مطالبة الجانب الفلمنكي الناطق باللغة الهولندية والقاطن في الشمال، الذي يشكّل الغالبية في بلجيكا بنحو 60 في المئة، بالاستقلال. وسعى لوترم خلال مباحاثاته إلى التفاوض في كل الملفات، سواء بشأن إدارة ذاتية أوسع للضرائب لمنطقة الفلمنك، أو إنشاء لامركزية المنح العائلية والضمان الاجتماعي.
وهذه المسائل يصعب قبولها من الناطقين بالفرنسية الذين يشتبهون في سعي الفلمنك تدريجاً إلى إفراغ الدولة الاتحادية من جوهرها، والاستعداد للاستقلال.
وفي عام 1970، تمّ التفاهم بين الطائفتين على دستور اتحادي كرّس سيطرة الجنوبيين على والونيا (الجنوب)، وبروكسل الواقعة داخل الجزء الفلامنكي. وكثيراً ما طالبت أصوات السياسيين الفلامنكيين بإجراء إصلاحات تحد من صلاحيات الدولة الاتحادية، وتمنح الإقليم استقلالاً ذاتياً. فهل يستطيع فيرهوفشتا، الذي كسر أنف لوتيرم بمجرّد أن خلفه لحل الأزمة، إنقاذ البلاد من الفناء؟ يبدو الأمر صعباً في ظل تمادي الخوف من الآخر، وإصرار كل طائفة على موقفها، حتى إن طلاق الدولة بات هو الخيار المرجح، إلاّ في حال تمكّن بلد النبيذ، من إسقاء نفسه بجرعة قوية، تمكنه من إيجاد صيغة توافقية للتعايش. فإعلان الانفصال من أي جهة هو مخالف للدستور الاتحادي، وسيجعل العاصمة بروكسل مجالاً آخر للخلاف، ما قد يستدعي تدخّل الدول الأوروبية المجاورة لإعادة رسم «البرتقالة الزرقاء» بصورة مباشرة، خوفاً من انتقال عدوى الانفصال.