حسام كنفاني
لا يوفّر القيادي في «حماس»، محمود الزهار، مناسبة للحديث عن سيطرة الحركة على الضفة الغربية، وتكرار تجربة «الحسم العسكري» في قطاع غزة. إلا أنه في حديثه الأخير أول من أمس، أسقط الجانب العسكري من حساباته، ليركز على أولوية «حماس» في حكم الضفة سياسياً.
الزهار، الذي يتزعّم ما بات يسمّى «صقور حماس»، ارتكز في تصريحه على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي منحت الحركة الغالبية في البرلمان الفلسطيني، وبالتالي على أحقيتها في تأليف الحكومة، وهي مقاربة محقّة إذا أغفل دور الرئاسة الفلسطينية في العملية السياسية وفق القانون الأساسي، المعتمد حالياً كدستور للسلطة الفلسطينية العتيدة.
ومن الأفضل إخراج القانون من دائرة السجال الداخلي الفلسلطيني، ولا سيما أن الطرفين لم يُبقيا له مكاناً في صراعهما على السلطة. ولا شك في أن الزهار، الحريص على القانون وشرعية الانتخابات، يدرك أن من صلاحيات الرئاسة الفلسطينية، بغض النظر عن هوية الرئيس وانتمائه السياسي، إقالة الحكومة الحاكمة حالياً في القطاع. وهذا لا يعفي الرئاسة أيضاً من التحايل على القانون عبر فرض أحكام الطوارئ وتأليف حكومة لا تحظى بثقة المجلس التشريعي، وبالتالي القفز على نتائج الانتخابات.
المفارقة ليست قانونية، بقدر ما هي إنسانية. فالزهار يدرك أن تجربة «حماس» في الحكم، خلال سيطرتها على كامل مؤسسات السلطة الفلسطينية، على الأقل الإدارية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، لم تكن مثالية بفعل الحصار الاقتصادي المشدّد الذي فُرض على حكومات إسماعيل هنية، إذا أردنا إعفاء «حماس» من تبعات فشلها في التوفيق بين خيارَي السلطة والمقاومة.
ولا شك في أن الزهار يدرك أيضاً صعوبة مهمة «حماس» اليوم في حكم قطاع غزة. وإذا كانت الحركة تتغنّى بإنجاز القضاء على الفوضى الأمنية، وهو ما لم تستطع الحكومات المتعاقبة تحقيقه، إلا أنه «ليس بالأمن وحده يحيا الإنسان»، ولا سيما أن القطاع يعيش اليوم أقسى حالات الحصار بعد خفض إمدادات الكهرباء والوقود عنه. والحال هذه لا يمكن التعامي عنها بالحديث عن القوانين ونتائج الانتخابات، إلا إذا كان الزهار يرى أن حال غزة اليوم هي جزء من مشروع «الجهاد» الذي ترفعه الحركة شعاراً لها، والتي يبدو أنها ترغب في تعميمه على المليون ونصف المليون فلسطيني الذين يعانون الأمرّين اليوم في قطاع غزة.
كان الأجدى بالزهار التركيز على البحث في كيفية إخراج قطاع غزة من محنته، ولا سيما أن بوادر عدوان إسرائيلي واسع تلوح في الأفق، بدل البحث في مسوّغات قانونية لتصدير المحنة إلى الضفة الغربية.