ربى أبو عمو
يمكن اعتبار السعودية أكثر الدول العربية المعنية بأزمة الملف النووي الإيراني، التي تحاول الولايات المتحدة احتواءها بالارتكاز على الوسائل الدبلوماسية حتى الآن، والتهديد شبه اليومي باللجوء إلى الخيار العسكري والمناورات الأميركية المتكررة في مياه الخليج.
وتأتي صفقات التسلّح بين الولايات المتحدة والدول الخليجية، وخصوصاً السعودية، لتشكّل حلقة إضافية في إطار السعي الأميركي إلى إيجاد توازن عسكري استراتيجي بين إيران وجوارها، أو ما يسمى «دول الاعتدال»، وطمأنتها ضد التهديدات الإيرانية المحتملة.
قبل نحو ثلاثة أسابيع، أعلنت الحكومة الأميركية صفقة بيع أسلحة إلى السعودية وجيرانها في منطقة الخليج العربي، بمليارات الدولارات، تمنح عبرها السعودية ثقلاً موازناً في مواجهة إيران وسوريا والمنظمات المتشددة الحليفة لهذين النظامين، كحركة «حماس» وحزب الله.
إلا أن واشنطن أعلنت أول من أمس تأجيل إبلاغ الكونغرس هذه الصفقة إلى 15 الشهر المقبل، لـ «دراستها بدقة مجدداً». غير أن مراقبة تصريحات بعض المشرعين الأميركيين خلال الفترة الماضية تشير إلى أن التأجيل مرتبط بالقلق الإسرائيلي من أحد بنود الصفقة، التي تشمل منح الرياض عتاداً يحوّل القنابل غير الموجهة إلى ذخائر دقيقة التوجيه وقنابل ذكية، رغم أن واشنطن حددت شروطاً لهذه الصفقة، تضمن عدم وصول مدى هذه القنابل إلى إسرائيل.
وبالعودة إلى دلالات الصفقة نفسها، فرغم العلاقات المميزة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، يبقى للعلاقة بين الرياض وواشنطن خصوصيتها نظراً إلى وزن الأولى في المنطقة وتاريخها، وتبادل المصالح على أساس النفط مقابل الأمن، إضافة إلى الهواجس المشتركة بين الدولتين، وخصوصاً في مواجهة الإرهاب وإيران.
وكانت السعودية قد وقعت العام الماضي صفقة عسكرية مع الولايات المتحدة، بلغت قيمتها 6 مليارات دولار، تشمل طائرات مروحية ومركبات عسكرية ومعدات اتصال وصواريخ «باتريوت». وقالت وزارة الدفاع الأميركية في حينها إن الصفقة تهدف إلى مساعدة السعودية في حربها على الإرهاب. ويمكن القول إنه في السنوات العشر الأخيرة، تمكنت السعودية بمساعدة أميركية، من إعداد ترسانة عسكرية ضخمة، فاقت قدرات دول الشرق الأوسط، لتصبح الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك طائرات تجسس «إي واكس»، التي لا تملكها إسرائيل.
وترغب الولايات المتحدة، من هذه الصفقات، في الحدّ من التدخّل الإيراني في المنطقة العربية، والإمساك بعنق الدول العربية عبر ربطها بالاستراتيجية الأميركية في مواجهة إيران، ومحاولة تعديل موقف السعودية من نوري المالكي في العراق، وعدم دعمها فتح سفارات عربية في العاصمة العراقية لتعزيز شرعية حكومته.
وتسعى واشنطن من خلال هذه الصفقات أيضاً إلى تفتيت التحالفات في المنطقة، كالتحالف السوري ـــــ الإيراني، أو احتمال إعادة إحياء الدفاع العربي المشترك. وضمن نظرية التفرّد العالمي، تخشى أميركا خسارة زبائنها، فكان لا بد من إعادة تنشيط الشركات الأميركية في عمليات بيع السلاح، بعدما عقدت هذه الدول صفقات سلاح مع الدول الأوروبية.
والمسألة الاستراتيجية الخطيرة بالنسبة إلى واشنطن، تكمن في عودة القدم الروسية إلى العالم عموماً، والشرق الأوسط خصوصاً، التي أنشات علاقات عسكرية مع سوريا وعدد من الدول الخليجية، أقلق الدور الأميركي على هذا الصعيد.
وتشارك السعودية الولايات المتحدة في القلق من إيران، إذ تخشى إنشاء ما يمكن تسميته «محمية إيرانية» في جنوب العراق مجاورة لأراضيها، وخصوصاً في المنطقة الشرقية حيث الأقلية الشيعية. وترى أن امتلاك إيران للقنبلة الذرية سيسهم في تقوية النفوذ الشيعي، وبالتالي يهدّد الوجود والنفوذ السني الذي ينسحب على غالبية الدول العربية والخليجية، وهو ما تراه واشنطن «خطاً أحمر».
ويرى محللون في الصفقات الأميركية محاولة لإنهاك إيران عبر جرّها إلى سباق التسلّح، الأمر الذي قد يستنزف اقتصادها. كما تبني واشنطن حائط هجوم ودفاع منيعاً إذا اتخذت قرارها بضرب إيران عسكرياً.