strong>شهيرة سلّوم
هاجس الاجتياح الصيني للقارّة السمراء يسيطر على الاتحاد الأوروبي

تُعقد قمة لشبونة الأوروبية ـــــ الأفريقية اليوم، رغم مقاطعة بريطانيا نتيجة الأزمة المتجددة المتمثلة بمشاركة رئيس زيمبابوي روبرت موغابي المتهم بانتهاك حقوق الإنسان. لكن أهمية انعقاد هذه القمة بالنسبة إلى القارتين تتجاوز إشكالية موغابي، ولا سيما أن القارة السمراء، التي ترزح تحت مشاكل مزمنة تعود بجذورها إلى الاستعمار الأوروبي، تهتم ببناء شراكة استراتيجية مع دول الاتحاد، التي تسعى إلى إيقاف اجتياح العملاق الصيني للقارة الغنية بالمواد الخام، الذي يبدو أنه يُكلّف أوروبا غالياً كلما أبطأت من تحرّكها.
وستبحث القمة، التي من المفترض أن تجمع 27 دولة أوروبية و53 أفريقية، عدداً من الموضوعات، بينها الأمن والسلم في القرن الأفريقي والمناخ والبيئة والتجارة وتأمين نفاذ المنتجات الأفريقية بأسعار عادلة للأسواق الأوروبية وحركة الهجرة، ولا سيما الهجرة غير الشرعية من القارة السمراء إلى أوروبا.
أمّا الملف الذي يهمّ أفريقيا، فهو مسألة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكيفية تأمين الدعم من جانب دول الاتحاد الأوروبي. وستصدق القمّة على الاستراتيجية الأوروبية الأفريقية المشتركة وخطة العمل.
وستهدف القمة إلى توثيق التعاون، على أن تكون أولوياتها بالنسبة إلى الجانب الأوروبي الوقوف في وجه اجتياح العملاق الصيني لأفريقيا، بعدما قفزت الصين إلى المركز الثالث في المبادلات التجارية مع هذه القارة، حيث بلغ حجم التجارة بين الجانبين 43 مليار يورو، كما أنها عززت الاستثمار فيها، وأعلنت منذ أسبوعين تقديم قرض قيمته 5 مليارات دولار لجمهورية الكونغو الديموقراطية.
وتهدف الاتصالات الأوروبية ـــــ الأفريقية إلى ضمان التواصل بين مختلف شبكات البنى التحتية الرئيسة لتحسين أداء المبادلات التجارية وقطاع الخدمات، حيث سيجري التركيز على تطوير شبكات الطرق والإدارة المندمجة والمشتركة لمصادر المياه ودعم الاعتماد على المعلوماتية في القارة وخفض الفجوة الرقمية بين مختلف الدول الأفريقية، التي تسعى إلى حلّ مشاكلها المزمنة.
وتتصدّر الديون هذه المشاكل، التي تجد جذورها في الاستعمار الأوروبي، وهي تمنع الشعوب الأفريقية من التنعّم بثرواتها الطبيعية، ولا سيما أن الديون تجاوزت 350 مليار دولار، وتضاعفت مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للقارة من 38 في المئة عام 1980 لتصل إلى 66 في المئة عام 1998.
وإضافة إلى الديون، تعاني أفريقيا الزيادة السكانية وتفاقم مرض الإيدز ومشاكل التصحر والفقر (59 في المئة تحت خط الفقر)، فيما تصنّف 21 دولة أفريقية من بين 52 تحت بند الدول التي تفتقر إلى الأمن الغذائي من أصل 37 دولة في العالم و24 من دولها هي الأقل نمواً، فيما تفتك بها النزاعات المسلحة.
وتزداد محنة أفريقيا مع احتضان تربتها لأكثر نسبة من الألغام الموجودة في العالم بسبب الحروب (30 مليون لغم في 18 دولة أفريقية من بين 110 مليون لغم في 64 دولة في العالم)، إضافة إلى مشكلة اللاجئين (7 ملايين لاجئ من أصل 21 مليون في العالم).
وأشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن أفريقيا لن تخرج من مأزقها الراهن قبل حلول عام 2015 عندما تصبح قادرة على رفع معدّل الناتج المحلي فيها إلى نسبة 7 في المئة كحد أدنى. ولن يتحقّق هذا النمو إلا بزيادة الاستثمارات الأجنبية في أفريقيا، التي لم تتجاوز بعد نسبة 3 في المئة من إجمالي الاستثمارات العالمية. من هنا، تأتي أهمية الشراكة الاستراتيجية مع القارة العجوز لاستقطاب الاستثمارات الخارجية.
لكن أكثرية الأفارقة يؤمنون بأنه ينبغي أولاً تعديل حجم التجارة البينية وتصحيح الاختلال فيها، حيث لا تتجاوز نسبة 40 في المئة من حجم تجارة القارة الخارجية، وبالتالي، تنظيم البيت الأفريقي أولاً قبل السعي لدى الأوروبيين أو غيرهم.
ويولي الاتحاد أهمية كبيرة لاتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الأفريقية لفتح أسواقها أمام منتجاته‏، وزيادة استثماراته في موارد القارة. وقد وقّعت المفوضية الأوروبية وأربع دول من جنوب القارة الأفريقية في الأسابيع الأخيرة اتفاقيات لتحرير التجارة، وتسعى إلى توقيع اتفاقيات مشاركة اقتصادية مع المناطق الست لمجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ قبل نهاية العام الحالي‏، إلا أن منظمات تنموية عالمية مثل‏ «أوكسفام‏» تنتقد مثل هذه الاتفاقيات باعتبارها غير عادلة لدول أفريقيا، حيث تعرّض في الغالب اقتصادياتها لمنافسة غير متكافئة من الاتحاد الأوروبي.‏
وكانت القمّة الأولى قد جمعت القارتين عام 2000 في القاهرة، حيث حضرت نحو 67 دولة، وتناولت قضايا تهم القارة السمراء وأبرزها الديون والألغام وعملية السلام ومقاومة الإرهاب والتنمية، ومن أبرز نتائجها كان تنازل ألمانيا عن ديونها على الدول «الأكثر فقراً»، كما عزمت فرنسا على إسقاط ديونها على فقراء أفريقيا خلال 3 سنوات. وجرى التأكيد خلال هذه القمة على دمج أفريقيا في الاقتصاد العالمي وإزالة حواجز التجارة بينها وبين أوروبا ومنح اعتبار خاص لدولها.