باريس ــ بسّام الطيارة
يصل الزعيم الليبي معمر القذافي اليوم إلى باريس، في زيارة تصفها طرابلس بأنّها «تاريخيّة»، لكنها تثير انتقادات واسعة في الوسط السياسي الفرنسي الذي يرى فيها محاولة «شراء وبيع عذريّة دبلوماسيّة» جديدة بعد مقاطعة غربيّة دامت سنوات طويلة للنظام الليبي.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد وجّه دعوة إلى القذافي لزيارة فرنسا في ٢٥ تمّوز الماضي، مباشرة بعد الإفراج عن الممرّضات البلغاريّات، وهو ما رأى فيه كثيرون «ثمناً» دفعه سيّد الإليزيه للحصول على «سبق إعلامي» إضافة إلى كمّ من العقود التجاريّة والعسكريّة التي جرى توقيعها والإعلان عنها عشيّة مغادرة الممرّضات للأراضي الليبية.
وأكّدت مصادر عديدة في باريس أنّ القذافي سيوقّع عقوداً «بأكثر من 3 مليارات يورو»، إضافة إلى صفقة لشراء عدد من طائرات «إيرباص» ومفاعل نووي لأغراض سلمية.
ورغم ارتفاع موجة الانتقادات من جانب شرائح عريضة من المجتمع الفرنسي الذي أعاد إلى واجهة الإعلام «الاعتداء على طائرة خطوط يو تي أي الفرنسيّة» الذي أودى بحياة ١٧٠ مسافراً وحُكماً في القضيّة غيابياً على 6 ليبيّين، بينهم مساعد رئيس الاستخبارات الليبية، محمد سنوسي، أعاد ساركوزي التشديد خلال افتتاح القمّة الأوروبيّة ـــــ الأفريقية في برشلونة على «سعادته باستقبال الزعيم الليبي».
والواقع أنّ حصول الزيارة الموضوعة تحت شعار «عفا الله عمّا مضى»، بحسب دبلوماسي عربي في باريس، التي تخدم نتائجها الطرفين، في هذه المرحلة والتطبيل الإعلامي الذي يرافقها، يخدم أهداف ليس أقلّها مدّ بساط القبول بما بات يُعدّ «هدف ساركوزي في الأشهر الستة المقبلة» وهو نجاح قمّة الاتحاد المتوسّطي. تضاف إليها «الرمزيّة» التي يعطيها انفتاح الغرب على ليبيا بعدما «نبذت الإرهاب وفكّكت برنامجها النووي»، وهو ما بات يعرف بـ«المسار الليبي». وقد أكّد أحد الخبراء الفرنسيّين في شؤون نزع التسلّح، لـ«الأخبار»، أنّ «ما فعلته ليبيا مثال يحتذى في التعاون مع المجتمع الدولي».
ورغم الترحيب الرسمي به، فإنّ «كلّ الأبواب لن تفتح» للقذافي؛ فقد رُفض اقتراحه بالحديث أمام البرلمان الفرنسي، وسيكتفي بلقاء عدد من البرلمانيّين في القاعة الصغرى من المجلس التشريعي، في الوقت الذي سيجري فيه استجواب الأمين العام للرئاسة، كلود غيان، في قضيّة الممرّضات البلغاريّات، في القاعة الكبرى. ويقول أحد المعنيّين في التحضير للزيارة إنّ «الدلع البوتوكولي للقذّافي» بلغ درجات عالية جداً، إذ إنّه طلب «أن تُنصب له خيمة في وسط حديقة قصر الضيوف، مايرني» المشيّد على بعد أمتار من قصر الإليزيه ليستقبل فيها المحتفلين به. وقام فريق عمل السفارة الليبية بدعوة «ألف امرأة من الضاحية» لمقابلة العقيد (سيجري نقلهنّ بحافلات خاصّة). ورغم الوعود بعقود بمليارات الدولارات، فإن قبول السلطات بتحقيق نزوات الزعيم الليبي كان لها حدود خفيّة. فقد علمت «الأخبار» أن الفريق الإعلامي، الذي يشرف عليه «المركز العالمي لدراسات الكتاب الأخضر»، حاول شراء «لوحات إعلاميّة ضخمة» في باريس للترويج لنسخة فرنسيّة جديدة للكتاب الأخضر العتيد طبعت في بيروت قبل أسابيع، وعلى غلافها صورة القذّافي. وتوجّه الفريق إلى شركة «جي سي ديكو» الفرنسيّة، التي رفضت، بسبب وجود صورة القذافي على الغلاف.
وكذلك كان الأمر مع شركة «سي بي رس أوت دور» التي لها ما يزيد على ٦٠ لوحة إعلان كبيرة على الطريق السريعة التي تحوط باريس. وهي وافقت في بداية الأمر لكونه يتمّ عبر مناقصة مباشرة وفوريّة، قبل أن ترفض بعد ساعات بحجّة أن المساحة قد بيعت مسبّقاً. وأكّدت مصادر مقرّبة من الملف، لـ«الأخبار»، أن الأمر جرى تحت ضغط الهيئة العامّة لتنظيم الإعلانات التي رأت في العمليّة «إعلانات سياسيّة للقذافي بحجج تجاريّة».