رام الله | أصبحت محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية، والتي تُعَد مركز ثقل المقاومة هناك، هدفاً دائماً للاقتحامات الإسرائيلية، فيما باتت الضفة بكاملها، من شمالها إلى جنوبها، تعيش عدواناً يومياً، يتناوب على تنفيذه جيش الاحتلال الذي يصعّد عمليات الاقتحام والقتل والاعتقالات، من جهة، والمستوطنون الذين يكثفون اعتداءاتهم على الفلسطينيين، من جهة أخرى. أما السلطة الفلسطينية، فتحافظ، إزاء ذلك الاستنزاف، على نهجها في ملاحقة المقاومين واعتقال النشطاء.ولا تزال طولكرم تضمّد جروحها، بعد معركة كبيرة ستبقى محفوظة في أذهان أهل بلدة دير الغصون ومقاوميها، الذين عاشوا تفاصيل المعركة التي استمرت لأكثر من 15 ساعة، على وقع أصوات الرصاص وانفجارات القذائف. واشتبكت ثلة من مقاومي «كتائب القسام»، السبت، مع مئات من جنود النخبة في جيش العدو، بعدما تحصّنت في أحد منازل البلدة، الذي حاصرته قوات الاحتلال ودمّرته باستهدافه بعشرات قذائف «الأنيرغا»، ليُعلن في وقت لاحق استشهاد 5 مقاومين. وفيما استطاع جيش العدو احتجاز جثامين 4 شهداء، بعد انتشالها من تحت الركام، وهي لكل من تامر فقها، وعدنان سمارة، وعلاء شريتح، وآسال بدران، عثر المواطنون على الشهيد الخامس تحت الأنقاض وقد فُصل رأسه عن جسده، فيما أصيب جندي إسرائيلي من قوة «اليمام» بجروح حرجة للغاية. وأعلنت «كتائب القسام»، لاحقاً، استشهاد قائدها في طولكرم علا شريتح، فضلاً عن تامر فقها، وهو أحد منفّذي عمليتي «بيت ليد» و«النبي إلياس»، والمقاتل عدنان سمارة، فيما كشفت «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» عن انتماء الشهيد الرابع، الداعية آسال بدران، إليها، وبقيت هوية الشهيد الخامس مجهولة.
ويشي الكشف عن هذه الخلية «القسامية»، الأبرز والأكثر نشاطاً في الشهور الماضية، بوجود عمل مقاوم أكثر تنظيماً وتطوراً مما كان عليه الحال في أي وقت مضى، وهو ما يتضح من خلال تنصيب «كتائب القسام» قائداً لها في المحافظة، والذي قد يكون انسحب على المحافظات الأخرى، في نموذج أشبه بنواة صلبة لـ«الكتائب» في الضفة، يتم بناؤها رغم كل الملاحقة الأمنية والاستخباراتية سواء من إسرائيل أو السلطة الفلسطينية. واللافت، هنا، التطور الكبير الذي ظهر في عملية «النبي الياس»، إذ كشفت «القسام» تفاصيل الكمين الذي نصبته شرق طولكرم، في تسجيل مصوّر وثّقته كاميرات عدة مزروعة في زوايا مختلفة، من لحظة التخطيط إلى الاستدراج والتنفيذ، حيث فجّر المقاومون عن بعد مركبة وصلت إليها قوات الاحتلال، بعد استدراجها. وتضاف إليها عملية «بيت ليد» الشهيرة الذي نفّذها مقاومون مطلع تشرين الثاني الماضي، شرق مدينة طولكرم، وأدّت إلى مقتل مستوطن مجند في الاحتياط الإسرائيلي، يُدعى الحنان كلاين.
تواصل السلطة الفلسطينية تنفيذ وظيفتها في ملاحقة المقاومين والنشطاء في الضفة


على أن تصفية خلية دير الغصون ليست سوى جزء من الحالة العامة في محافظة طولكرم، التي تتعرّض يومياً لاقتحامات وتوغلات وتدمير هائل، يرتقي خلالها الشهداء الذين كان آخرهم عمار العوفي، الذي قضى، فجر الثلاثاء، متأثّراً بإصابته برصاص قوات الاحتلال، بالإضافة إلى إصابة 5 آخرين خلال اقتحام جيش العدو ضاحية ذنابة ومخيم طولكرم. وخلال الساعات الـ48 الأخيرة (منذ الأحد)، حاصرت قوات الاحتلال مخيمي طولكرم ونور شمس من جميع المحاور، ودفعت بجرافاتها العسكرية لتدمير البنية التحتية والممتلكات، في عملية قال جيش العدو إنه تمكّن خلالها من «العثور على وسائل قتالية ومصنّعين محليين لتصنيع العبوات الناسفة».
وعلى غرار كل ليلة، شهدت بلدات الضفة ومدنها، فجر أمس، عدة اقتحامات، اعتقل خلالها الاحتلال 22 فلسطينياً، من بينهم الطالبة في «جامعة بيرزيت»، يارا أبو حشيش، بالإضافة إلى طفل جريح يبلغ من العمر 8 أعوام، فضلاً عن أسرى سابقين. وتركّزت عمليات الاعتقال في محافظة طولكرم، حيث طاولت 10 مواطنين على الأقل بعد اقتحام استمرّ لساعات في المحافظة، فيما توزّعت بقية الاعتقالات على محافظات رام الله، بيت لحم، نابلس، أريحا، وطوباس، لترتفع حصيلة المعتقلين بعد السابع من أكتوبر، إلى أكثر من 8610، منهم من أبقي على اعتقالهم، وآخرون تمّ الإفراج عنهم لاحقاً. وفي السياق، كشفت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، نقلاً عن «القناة 12» الإسرائيلية، أن النقص الحاد في مرافق الاعتقال أجبر «جهاز الأمن الداخلي» الإسرائيلي (الشين بيت) على تجنب اعتقال العديد من الفلسطينيين في الضفة، لافتة إلى أن جهاز «الشاباك» بعث برسالة في هذا الإطار، الجمعة الماضي، إلى الحكومة والقادة السياسيين يبلغهم فيها بأن «نقص مرافق الاعتقال أجهض أكثر من 30 عملية اعتقال في الضفة الأسبوع الماضي وحده، بسبب اكتظاظ السجون بالمعتقلين»، لافتاً إلى أن «مستوى التهديد المرتفع يتطلب إجراءات وقائية واسعة النطاق تؤدي إلى اعتقالات متكررة».
وفي هذا الوقت، لا تزال الأنظار تتجه إلى مدينة القدس، رغم انقضاء عيد الفصح اليهودي الذي شهدت خلاله المدينة، خلال الأيام الماضية، استنفاراً عسكرياً كبيراً لتأمين اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وحائط البراق، إذ تخطط الجماعات الاستيطانية لاقتحام واسع للمسجد ورفع أكبر عدد من أعلام العدو في باحاته، في يوم الرابع عشر من هذا الشهر، في ذكرى قيام دولة الاحتلال.
وإزاء هذا المشهد، تواصل السلطة الفلسطينية تنفيذ وظيفتها في ملاحقة المقاومين والنشطاء في الضفة، مظهرةً حرصها على تلبية متطلبات دورها في المرحلة المقبلة، بعد انتهاء الحرب على غزة. وكشفت مصادر أن الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالإصلاحات التي قامت بها السلطة، وتطالب بالمزيد خاصة على مستوى القيادة السياسية، ما عزّز الشعور لدى الرئيس محمود عباس والدائرة المقرّبة منه أنه المستهدف من تلك المطالبات. لكن هذه الضغوطات السياسية، والفيتو الأميركي في «مجلس الأمن» ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا يغيّران شيئاً في التزام الأجهزة الأمنية بملاحقة المقاومين، والتي كان آخر فصولها مساء الإثنين، حين صادرت أجهزة السلطة مركبة لـ«كتيبة طوباس» تحوي عتاداً عسكرياً، ما تسبب باندلاع اشتباكات بين مقاومين وعناصر أمنيين. وفي السياق نفسه، قالت «قناة كان» العبرية إنه من المقرر أن يزور وفد أميركي مدينة رام الله لبحث القضايا الأمنية والسياسية مع كبار المسؤولين الفلسطينيين، ومناقشة مدى جاهزية السلطة لإدارة المعابر في قطاع غزة.