وقّع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الـ27، أو ممثلون عنهم، في لشبونة أمس، المعاهدة الإصلاحيّة الجديدة («معاهدة لشبونة») التي تحلّ محل مشروع الدستور الأوروبي، والتي يفترض، بعد المصادقة عليها، أن تسهّل اتخاذ القرارات داخل الاتحاد.وكانت المعاهدة قد أقرّت في 19 تشرين الأوّل الماضي، بعد أشهر من المفاوضات الصعبة، وستدخل حيز التنفيذ في الأوّل من كانون الثاني عام 2009، بعد أن يصادق عليها كلّ من الدول الأعضاء في الاتحاد. وستحلّ مكان مشروع الدستور الأوروبي الذي رفضه الفرنسيّون والهولنديّون في استفتاء شعبي في البلدين عام 2005.
ويستعيد نصّ المعاهدة مقاطع كاملة من مشروع الدستور، فهي تتضمّن تعيين ممثّل أعلى للسياسة الخارجيّة ورئيس ثابت للبرلمان الأوروبي، عوضاً عن نظام المداولة القائم على انتقال الرئاسة كلّ 6 أشهر. كذلك تقلّص حجم البرلمان الأوروبي وعدد القرارات الأوروبيّة التي تتطلّب توافقاً كاملاً، وبالتالي تقلّص عدد القرارات التي يوقفها حقّ النقض الـ«فيتو».
إلّا أنّ ما ينقص المعاهدة، مقارنة بالدستور، هو كلمة دستور والإشارة إلى العلم والنشيد الوطني الأوروبيين، وأيضاً النص الكامل لشرعة كبيرة تتعلّق بالحقوق الأساسية للمواطنين الاوروبيين.
وفي احتفال رسمي في دير جيرونيموس ذي الطابع القوطي الفريد، تمّ التوقيع بأقلام من الفضة قدّمتها الرئاسة البرتغاليّة هديّة تذكاريّة في المبنى الذي يعود إلى القرن السادس عشر.
وأكّد رئيس الوزراء البرتغالي خوزيه سوكراتس، وهو الرئيس الحالي للاتحاد، أنّ أوروبا ستصبح «أقوى للاستجابة للرغبات الملحّة للمواطنين الأوروبيين، للنهوض بالاقتصاد الأوروبي وللدفاع عن القيم الأوروبية»، فيما حيّا رئيس المفوضيّة الأوروبية، خوزيه مانويل باروسو، «الشجاعة السياسيّة» للقادة الأوروبيين ودعاهم إلى «التحلّي بالتصميم ذاته أثناء فترة التصديق» على المعاهدة. وقال «الآن حان وقت التقدّم. على أوروبا رفع العديد من التحديات الداخلية والخارجية، ويريد مواطنونا نتائج».
أمّا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فقد رأت من جهتها، أنّ أوروبا تدخل «مرحلة جديدة» بتوقيعها على معاهدة إصلاح الاتحاد. وأكّدت، على هامش مراسم الاحتفال بتوقيع المعاهدة، على توفير الشروط المطلوبة حتى يتم التصديق على المعاهدة في جميع دول الاتحاد، وقالت «هذا يوم مهم لأوروبا»، مشيرة إلى أنّ الاتحاد الأوروبي سيمثل في المستقبل وحدةً واحدة. كذلك أكّد وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير، أنّ «أوروبا ستصبح أكثر شفافيّة وأكثر ديموقراطيّة ويمكنها العمل بشكل أكثر كفاءة».
وأعلنت الدول الأعضاء، باستثناء إيرلندا التي ستنظم استفتاء، أنّها ستصادق على المعاهدة في البرلمان خوفاً من رفضها في استفتاء، مثلما حدث للدستور. غير أنّ مؤيّدي الاستفتاء لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد، وأسمعوا أصواتهم بقوّة في البرلمان الاوروبي أوّل من أمس، حين ضجّ العديد من النوّاب الأوروبيّين لدى إعلان شرعة الحقوق الأساسية، إحدى أبرز الإضافات الجديدة التي جاءت بها المعاهدة.
وغادر القادة الأوروبيّون سريعاً لشبونة قاصدين بروكسل حيث يلتقون اليوم في القمّة الأخيرة لهم هذا العام.
رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون اضطر للبقاء في لندن، من أجل الرد على استفسارات أعضاء لجنة برلمانية في جلسة سؤال وجواب في شأن موضوعات الهجرة والمعاشات وأجور الشرطة، ومثّله وزير خارجيّته دايفيد ميليباند الذي وصل بدوره متأخراً بسبب تأخّر إقلاع طائرته نحو ساعتين.
وفي وقت لاحق، انتقل براون إلى البرتغال للتوقيع بشكل منفصل على المعاهدة. وهو الموضوع الذي دفع المعارضة البريطانيّة إلى اتّهامه بـ«الجبن» لتخلّفه عن بقيّة زملائه الزعماء في الاتحاد، ووصفوا حكومته بأنّها واقعة في خطأ «التضارب في المواعيد»، وهو ما يُعدّ دليلاً آخر على ما وصفوه بموقف بريطانيا الانعزالي عن الاتحاد الاوروبي.
وفي السياق، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، خلال حفل التوقيع، «نحتاج إلى غوردن»، وأضاف «جميعنا لدينا مشاكل لنعالجها، وأنا شخصيّاً أعتقد أنّنا نحتاج إلى بريطانيا في أوروبا».
(أ ف ب، د ب أ، أ ب)