حسن شقراني
لو لم يحنّ عليها أحد حرّاسها ويدعها تتصّل بوالدها في تكساس، الذي اتّصل بدوره بممثّله الجمهوري، تد بو، كي يرسل من ينقذها ويعيدها إلى الوطن، لكانت العاملة في شركة «كاي بي آي» (التابعة لمجموعة «هاليبرتون»)، جايمي جايمس، لا تزال في العراق حتى الآن.
حيّة أو ميّتة، لم يكن مهمّاً لمدير الشركة، بيل أوت، بما أنّ قضيّة اغتصابها (واغتصاب 11 فتاة أخرى على يد متعاقدين في العراق، حسبما صرّحت جايمس في حديث مع القناة التلفزيونيّة «أي بي سي») تبقى طي الكتمان، وتوفّر على المؤسّسة أعباءً معنويّة وماديّة.
جايمس ضحيّة. ليس هناك من يشكّ في الأمر في الولايات المتّحدة أو حتى في العالم، بعدما عرضت قنوات التلفزة قضيّتها. لكنّ الاغتصاب تمّ في تمّوز عام 2005 فلماذا تأخّر فضحها؟ لأنّ الضحيّة كانت تحاول حلّ المسألة أوّلاً عبر القنوات الداخليّة للشركة ومن ثمّ عبر وزارة العدل. وعندما فشل المساران في تحقيق العدالة، لجأت إلى الـ«أي بي سي» وتحدّثت كيف أنّ علاجها لا يزال مستمراً حتى الآن بسبب الطابع الوحشي للاعتداء، ما دفع الكونغرس إلى تخصيص جلسة للاستماع إلى شهادتها الأربعاء الماضي.
قضيّة جايمس تذكّر بقضيّة فاليري بلايم، عميلة الاستخبارات الأميركيّة «سي آي أي» التي همس اسمها أمام الصحافيّين عام 2003 مسؤولون في الإدارة الأميركيّة (بينهم المستشار المستقيل للرئيس جورج بوش، كارل روف). كانوا يريدون فضح هويّة عملها (لأنّ زوجها السفير السابق، جوزف ولسون، كان قد أفاد لعملاء زملاء لبلايم، بعد بعثة استقصائيّة في النيجر، أنّه ليس هناك أيّ أدلّة تشير إلى نيات نظام البعث العراقي شراء يورانيوم من البلدان الأفريقيّة. وللإشارة فإنّ بلايم كانت تعمل على برنامج الحدّ من الانتشار النووي في الاستخبارات). انتهت القضيّة باستقالة روف (لينفذ من الشرك!) والحكم على مساعد نائب بوش، لويس «سكوتر» ليبي، بالسجن 3 سنوات، ليعود الرئيس ويعفو عنه بـ«إنقاذ رئاسي».
ديك تشيني هو نائب بوش، وهو في الوقت نفسه علّة استذكار قضيّة بلايم لدى الحديث عن اغتصاب جايمس، لأنّه شغل منصب رئيس مجلس إدارة «هاليبرتون» بين عامي 1995 و2000. والمسألتان المثارتان تتضمّنان انتهاكاً إنسانياً (جسدياً كان أم معنوياً) في حقّ مواطن أميركي يعمل في كنف «النظام» ومتطلّباته الهمجيّة عند تقاطع نيران السياسة والمصالح (فلننتظر الخيوط التي قد تظهر من قضيّة جايمس).
وبسبب هذا التحديد الأخير فقط، يبدو انتقاد بوش لكيفيّة تعاطي النظام السعودي مع قضيّة «فتاة القطيف» (ضحيّة اغتصاب حكم عليها بالجلد 200 جلدة والسجن 6 أشهر!) قبل «العفو عن الضحيّة»! مجرّد عظة («السعوديّون يعرفون موقفنا... أتخيّل الأمر متعلّقاً بابنتي») يقدّمها زعيم قبيلة لأخرى،... وإن كان يغضّ الطرف عن فضائح عشيرته.