strong>معمر عطوي
يمكن وصف عام 2007 بالنسبة إلى إيران بأنه العام النووي بامتياز، إذ شهد احتدام الجدل بين طهران والغرب، على خلفية البرنامج النووي المثير للجدل، ووصلت المواجهة بينهما إلى ذروتها، لتخرج الجمهورية الإسلامية في نهاية المطاف «منتصرة» بتقرير استخباري أميركي يثبت أنها أوقفت الأنشطة النووية العسكرية منذ عام 2003

يصح القول إن طهران انتهت عام 2007 من «الفترة الصعبة» للقضية النووية، على حد تعبير ممثل المرشد الأعلى في مجلس الأمن القومي، علي لاريجاني، الذي أوضح أن بلاده، بعد مضي أكثر من عامين، «توصلت إلى قدرة نووية لا يستهان بها».
ويبدو أن التقرير الأميركي، الذي أعده 16 جهازاً استخبارياً، والذي «برأ» طهران من قضية العمل على إنتاج قنبلة ذرية في الوقت الحالي، ساعد طهران على تجنب رزمة جديدة من العقوبات الدولية، وذلك بعد معارضة كل من روسيا والصين لقرار جديد في مجلس الأمن الدولي، ولا سيما أن العام الجاري شهد قراراً مماثلاً، هو الثاني من نوعه في غضون سنتين، حمل الرقم 1747.
وإذ قالت طهران، على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد، إن هذا القرار هو مجرد «قصاصات ورق» لا قيمة لها، واصلت واشنطن تشديد إجراءاتها الأحادية، التي تمارسها على المصارف والشركات الدولية الكبرى لردعها عن الاستثمار في الاقتصاد الإيراني، وأصدرت قراراً تاريخياً باعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.
وظهر الانقسام بين القوى الكبرى عند منعطفات عديدة، حيث فشلت الدول الست (5+1) في التوصل إلى قرار بالعقوبات المشددة. وتجلى الانقسام أكثر إثر التقرير الاستخباري الأميركي، فبدت واشنطن، ومن خلفها لندن وباريس، من دعاة تشديد العقوبات مع إبقاء خيار الحرب مطروحاً على الطاولة.
على الجانب الروسي، كانت العلاقة جيدة مع طهران لولا المماطلة التي سارت بها موسكو لأشهر بشأن إنهاء مفاعل بوشهر الكهروذري، الذي كان من المفترض تدشينه في أيلول الماضي. غير أن العقدة شهدت أخيراً بعض الحلحلة، بعدما توصّل الجانبان إلى تسوية تقضي بتدشين المفاعل في ربيع العام المقبل.
طهران دخلت المشهد السياسي العالمي من بابه الواسع في عام 2007، إذ تمكنت من تعزيز صناعاتها الدفاعية والعسكرية، فأعلنت إنتاج صواريخ يصل مداها إلى 1800 و2000 كيلومتر وغواصات حربية وطائرات مقاتلة وقنابل ذكية عملاقة. وفي الوقت نفسه، واصلت عمليات تخصيب اليورانيوم، وزادت من عدد أجهزة الطرد المركزي المعدة للتخصيب في مفاعل ناتنز، ليصل عددها في أيلول إلى ثلاثة آلاف جهاز، وهي عتبة تسمح لها نظرياً، في ظروف تشغيل جيدة، بالحصول في غضون سنة على كمية من اليورانيوم العالي التخصيب تكفي لصنع قنبلة ذرية.
هذه التطورات ترافقت مع مناورات عسكرية كبيرة قامت بها جميع الأجهزة العسكرية من جيش وحرس ثوري وقوات تعبئة «باسيج». وشكّلت ردوداً غير مباشرة على مناورات أخرى قامت بها القوات الأميركية في مياه الخليج قبالة السواحل الإيرانية.
في المقابل، أبدت الجمهورية الإسلامية بعض المرونة في التعامل مع المجتمع الدولي، فسمحت لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة مواقع حساسة وأبدت استعدادها للكشف عن جوانب غامضة في برنامجها النووي. وجاءت النتيجة في تشرين الثاني في تقرير المدير العام لوكالة الطاقة، محمد البرادعي، الذي أكّد رفع مستوى التعاون الإيراني مع الوكالة، وإن تخوف من استمرار عمليات تخصيب اليورانيوم.
وفي محاولة لتطويق ذيول أي حرب مفترضة تُشَنُّ على النظام الإسلامي، شهدت العلاقات الإيرانية ـــــ الخليجية، تحسناً ملحوظاً، إذ حاول نجاد الانفتاح على هذه الدول، التي تحتضن مواقع عسكرية أميركية كبرى. ورغم التهديدات التي أطلقها مسؤولون عسكريون إيرانيون ضد دول الخليج إذا حوّلت أراضيها إلى منطلق للهجمات الأميركية، تميزت سياسة نجاد بزيارات عديدة شملت بعض هذه الدول، ولا سيما السعودية التي زارها ثلاث مرات، فيما كان لافتاً حضوره قمة الدول الخليجية الست في الدوحة.
التطورات الدولية المتسارعة سارت بالتوازي مع أزمة داخلية حادة، كان الاقتصاد أحد أبرز عناوينها الرئيسية، تمثلت بتزايد في مستوى التضخم ليتجاوز الـ 16 في المئة نتيجة ارتفاع حجم المداخيل بالعملات الأجنبية بفضل ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة. حصل ذلك نتيجة لسياسة حُسن نية اتّبعها نجاد للإيفاء بتعهد قطعه يقضي بوضع «أموال النفط على الطاولة».
هذه الطفرة النفطية لم تساعد نجاد بنظر معارضيه من الإصلاحيين والمعتدلين، في تحسين سياسته الاقتصادية، وخصوصاً أن سياسة تقنين توزيع البنزين على السائقين، في بلد هو رابع دولة منتجة للنفط في العالم، أصبح يمثّل نقطة سوداء في تاريخ هذا النظام، بعدما أدى التوتر، على خلفية قرار التقنين، إلى افتعال أحداث شغب وحرق محطات توزيع للوقود في طهران وبعض المدن الأخرى.
لعل ما وقعت فيه حكومة المحافظين، إلى جانب الورطة الاقتصادية، كان موضوع حرية الرأي، إذ شدّدت من السيطرة على المجتمع، فلاحقت طلاباً وسياسيين وأكاديميين بتهم عديدة، أدت إلى تحرك منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران والعالم.
ولا يمكن فصل ما شهدته إيران من استقالات في قيادة الحرس الثوري وأمانة المجلس الأعلى للأمن القومي وحاكمية المصرف المركزي ووزارات التعليم والصناعة والنفط، وغيرها من المراكز، عن السياق العام لسياسة نجاد. وفسر المراقبون هذه التغييرات بأنها تأتي في سياق الاستعداد لحرب مقبلة على الجمهورية الإسلامية، بينما رأى آخرون أنها تصّب في سياسة تعزيز الجبهة المحافظة الداخلية في وجه الإصلاحيين تمهيداً لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة التي تليها انتخابات رئاسية في عام 2009.
لهذا نشط المعتدلون، وفي طليعتهم الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، والإصلاحيون بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي، والمحافظون الوسطيون بقيادة رئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي، في العمل على تشكيل حلف ضم أكثر من 20 حزباً لخوض الانتخابات النيابية في آذار المقبل، موحدين في وجه المحافظين.
يبدو أن القطار النووي الإيراني الذي تجلى بأقوى صوره هذا العام، يسير من دون توقف، في ظل استبعاد قيام الولايات المتحدة بضربة عسكرية لإيران. لكن الصورة السياسية خلال الأشهر المقبلة قد تحمل تغييرات في هيكلية النظام، قد تكون إحدى نتائجها إعادة الإصلاحيين والمعتدلين إلى السلطة لتنسجم سياسة طهران المقبلة مع مناخات التسويات المرتقبة، ولا سيما بعدما نجحت ثلاث جولات من المفاوضات بين واشنطن وطهران في ضبط إيقاع المقاومة العراقية.