نيويورك ــ نزار عبود
باسكو يطالب بأموال وبزيادة المراكز الإقليمية... وينتظر طلب الدول للتدخّل

اتخاذ إجراءات احترازية تقي نشوب الحرائق يبقى قطعاً أفضل من مكافحة الحريق بعد وقوعه. هذه القاعدة تنسحب على دائرة الشؤون السياسية للأمم المتحدة، التي يفترض، بحسب ميثاق المنظمة، أن تعمل «لكي تحول دون نشوب النزاعات الفتاكة حول العالم وفضّها والترويج للسلام الدائم في المجتمعات الخارجة من الحروب». لكنها كانت مقصرة بها والحجج كثيرة.
ومن الناحية النظرية، تعمل الدائرة، التي يرأسها المسؤول الأميركي لين باسكو، على مراقبة التطورات السياسية العالمية، وتقديم المشورة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول طبيعة الخطوات التي من شأنها دعم جهود السلام، والتوجيهات لمبعوثي السلام الدوليين وللبعثات السياسية الميدانية، والخدمات المباشرة للدول الأعضاء في الانتخابات. أي أن مهماتها تبدأ قبل الصراع ولا تنتهي مع نهايته. إنها تسبق نشوب النزاعات، وتساعد على إخمادها، فضلاً عن معالجة ذيولها.
لكن هذه الإدارة اتهمت بالتقصير والتحيّز في جميع القضايا الدولية، بدءاً من فلسطين وليس انتهاءً بلبنان أو باكستان أو إيران. فهي لم تقم إلى الآن بأي تحرّك يسبق الانهيار السياسي والعسكري المحتمل في الشرق الأوسط أو باكستان.
باسكو، الذي وضعت الولايات المتحدة ثقلها لكي يحتل مركزه مطلع العام، عرض في نيويورك أول من أمس خطة الأمين العام لتعزيز الدائرة السياسية وإنعاش دورها، ولا سيما على صعيد «الطب الوقائي» للنزاعات. وقال إنه يمكن فعل «أكثر مما نقوم به بحيث يتحرّك المبعوثون للعمل على التوصل إلى اتفاقات سلام». وأضاف: إن «الأمم المتحدة وضعت العديد من الدراسات السابقة التي أوصت بتعزيز دور السياسة الوقائية، لكن التمويل كان دوماً هو العقبة».
وأشار باسكو إلى أن الدراسات وجدت أن الإدارة السياسية «لديها مشكلة في التعاطي مع القضايا في إطار النظام الأممي، وأنها محرومة من الموارد بالرغم من نمو الحاجة إلى خدماتها من مختلف بقاع العالم». وقال: إنه «بالتركيز على قضية معينة، يحدث إهمال لأخرى. وإن الإدارة حققت نجاحات ومنيت بإخفاقات في موضوع القضية الفلسطينية وإنهاء الاستعمار». وعزا الأسباب إلى «نقص في تمويل نفقات سفر المبعوثين والوسطاء».
وانتقد المسؤول الدولي تقسيم الأمم المتحدة للأقاليم والمهمات، وطالب بإعادة توزيع المراكز بطريقة أكثر إنصافاً. إلا أنه لم ينتقد الرؤى السياسية التي تقف وراء كل هذا.
وإدارة الشؤون السياسية لديها حالياً 220 موظفاً يعملون في المقر الرئيسي في حي مانهاتن في نيويورك، ضمن ميزانية تبلغ 32 مليون دولار سنوياً، إلا أن باسكو يطلب زيادة بمقدار 21 مليون دولار على مدى العامين المقبلين «لتعزيز دور الأمم المتحدة في الشق الوقائي للنزاعات»، معلّلاً طلبه بأنه «يمثل نسبة زهيدة تصل إلى 1 في المئة من كلفة عمليات حفظ السلام في دارفور أو جمهورية كونغو. أي أنه استثمار مجزٍ إذا ما قيس بالنتائج المتوخاة».
خطّة التعزيز تقضي بزيادة عدد موظفي الدائرة بنسبة الثلث تقريباً، بينما تتم إعادة تنظيم الأقسام الإقليمية، وهي 4 حالياً، لتصبح 6 على النحو الآتي: واحد في وسط آسيا في طاجيكستان، وآخر في البحيرات وسط أفريقيا، وثالث في غرب أفريقيا، ورابع في أميركا الوسطى وخامس في جنوب شرق آسيا وسادس في جنوب غرب أوروبا. ويفترض أن يتولى كل من هذه المراكز دوراً في الدبلوماسية الوقائية المنشودة.
وينتظر باسكو طلب الحكومات للتدخل في منع وقوع نزاع مسلح سيؤثر على العالم بأسره، ولا سيما مع الحديث عن تحضيرات أميركية لضرب إيران والحرب الأهلية في باكستان النووية. وقال، رداً على أسئلة الصحافيين المتكررة لماذا لا يتحرك الأمين العام في مبادرة لمنع الأمور من الانجراف نحو نزاع عالمي بهذا الحجم، «نحن لا نفرض أنفسنا على الآخرين. الدول عليها أن تقبل دورنا التفاوضي قبل إرسال مبعوثين أو وسطاء. لا نرسل إناساً من دون وضوح لطبيعة دورهم».
وحول كيفية حصول الأمم المتحدة على مسؤولين يعرفون الحساسيات السياسية والثقافية ويراعونها، قال باسكو إن «أفضل الحلول كانت تأتي من المقترحات التي تقدمها الدول المعنية نفسها». وأضاف «إننا ندعم الأفكار ولا نبيعها».