حسن شقراني
هل يمكن تطويع تحليل حركيّة أسعار النفط ليتلاءم مع آليّة العرض والطلب؟ النظريّة تفيد بـ«نعم» والتجارب أيضاً؛ فبعد 5 سنوات على وصول سعر برميل الذهب الأسود إلى قمّته التاريخيّة (المعدّلة بحسب معدّلات التضخّم) عام 1981 عقب بداية حرب الخليج الأولى، عادت الأسعار واستقرّت عند مستوى منخفض، وهو ما دفع بنائب الرئيس الأميركي حينها، جورج بوش الأب، إلى الضغط على السعوديّة لتحييد التأثير عن «اقتصاد تكساس». كذلك فالأزمة الماليّة التي ضربت أسواق جنوب شرق آسيا عام 1997 أنهت ارتفاع الأسعار الذي ولّدته حرب الخليج الثانية.
أمس، شهد تسجيل سعر برميل الخام الخفيف سعراً قياسياً جديداً تخطّى 98 دولاراً، قابله ارتفاع بقيمة 1.29 سنت لبرميل «برنت» في بورصة لندن ليبلغ سعره 94.55 دولاراً. وإجماع المحلّلين في شأن تفسير الارتفاع يرتكز على حجج كثيرة أهمّها «الشتاء المقبل سيكون قاسياً»، ومن هنا الزيادة في الطلب من أجل تأمين الاحتياطي، والتكهّنات حول تطوّر الأمور الجيوسياسيّة في الشرق الأوسط وحرب أميركيّة على إيران يراها كثيرون في أسواق المال حتميّة.
صفة «السلعة الاستراتيجيّة»، التي يكتسبها النفط باضطراد، تُخرج آليّة توازن أسعاره من أحكام منحنيات العرض والطلب. والتداعيات وأسباب ارتفاع الأسعار تصبح في هذا الإطار جليّة من ناحية المقاربة وإن ليس من ناحية المعالجة. فهل تعود الأسعار إلى الاستقرار بعد الارتفاع المستمر الذي حكمها منذ عام 2002؟ الجواب هو «ليس محتملاً»، وإن كان الأكثر دقّة «كلّا».
فاحتياطيّات النفط تنفد بوتيرة أكبر من المتوقّع، والنمو في الناتج الإجمالي لعملاقي آسيا، الصين والهند، هو بحدود الـ10 في المئة ويتوقّع استمراره عند هذا المستوى لفترة ليست وجيزة (حتى عام 2015 على أن يستمرّ بعدها عند حدود الـ6 في المئة حتّى عام 2030). وإلى جانب تلك الفقاعة الاقتصاديّة، هناك فقاعة سكانيّة موازية يتوقّع أن ترفع عدد سكان البلدين بنحو 240 مليون نسمة حتى عام 2015، وما قد يستتبعه ذلك من زيادة في استهلاك الوقود والطاقة.
عناصر أخرى تؤثّر على عدم التوافق بين العرض والطلب، ليس أقلّها ما يحدث في دلتا النيجر في نيجيريا والتوتّرات السياسيّة التي يمكن أن تتفجّر في فنزويلا والعقبات التي تواجه البنية الإنتاجيّة في المكسيك، كل ذلك والطلب الحالي العالمي على النفط هو 85.9 مليون برميل يومياً فيما القدرة الإنتاجيّة الزائدة هي بحدود مليوني برميل، معظمها متركّز في السعوديّة، وهي للمفارقة بلد يقع في قلب المنطقة المتوقّع أن تشهد صراعاً عسكرياً مرتقباً.
والتقرير الأخير الذي أصدرته الوكالة الدوليّة للطاقة أمس يؤكّد ما سلف؛ فهو يشير إلى أنّ الصين ستزيح الولايات المتحدة عن موقعها بصفتها أكبر مستهلك للطاقة في العالم بعد عام 2010، والطلب العالمي على النفط سيزيد بنسبة 37 في المئة عما كان عليه في عام 2006، وسيصبح 116 مليون برميل يومياً.
كبير الاقتصاديين في الوكالة، فاتح بيرول، شدّد على أنّ المسؤولية تقع على عاتق الدول المتقدمة لإيجاد وسائل لتخفيف نمو الطلب على النفط وإلّا واجهت «عواقب غير حميدة»؛ فالنفط المتناقص سيبقى السلعة الأساسيّة التي ستقابل نسبة الـ 55 في المئة في ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2030، أي بنسبة ارتفاع تبلغ 1.8 في المئة سنوياً.