ربى أبو عمو
«وداعاً بلجيكا، فإن بلد الشوكولا مهدّد بالذوبان»، بهذه العبارة وصف أحد السياسيين البلجيكيين الأزمة الحكومية في البلاد، التي دخلت يومها الـ152. وكأنّ التزاوج بين الفلامينية (الشمال)، ذات الثقافة الهولندية، والوالونية (الجنوب)، ذات الثقافة الفرنسية، اتخذ شكلاً غير متكافئ منذ تكوين بلجيكا في عام 1830، فبات الطلاق «أمراً محتماً»، بحسب الكثير من الصحف، التي تبدو مستعدة لهذه النتيجة.
وتجلّت هذه الصورة بوضوح على لسان زعيم حزب فلامس بيلانغ اليميني الفلمندي المتطرّف فيليب دوينتر الذي قال «نحن أمّتان مختلفتان في كل شيء، ولا يوجد أي عنصر مشترك بيننا سوى الملك والشوكولا والنبيذ».
هذه الخلافات العرقية واللغوية والثقافية كثيراً ما عبّرت عن نفسها على شكل أزمات عصفت بالبلاد. وكان آخرها عجز المملكة عن تأليف حكومة ائتلافية بعد الانتخابات التشريعية العامة في 10 حزيران الماضي، لتدخل البلاد، منذ ذلك الحين، في «كوما» سياسية.
وكان الجانب الفلمندي احتفل بمرور مئة يوم على عدم تأليف الحكومة، إذ كتب هذا الرقم على قالب من الحلوى، إلّا أن السؤال الأبرز في ظل هذه الأزمة لا يتجلّى في احتمال تأليف الحكومة وتوقيت حدوث ذلك، بل في الحديث السياسي والإعلامي الكثيف عن حتمية الانفصال الذي كان الحديث عنه في السابق من المحظورات.
وبات التعاطي مع الانفصال أمراً طبيعياً في وسائل الإعلام التي بدأت تنشر استطلاعات رأي تعكس مدى الراديكالية غير المسبوقة للرأي العام تجاه التنافر بين الشمال والجنوب. وفي آخر استطلاعات الرأي، تبيّن أن 46 في المئة من الفلامند، الذين يمثلون 60 في المئة من عدد السكان (نحو 11 مليون نسمة)، يطالبون بالاستقلال والانفصال، فيما يرغب 88 في المئة من الوالونيين في بقاء بلجيكا موحدة في صيغتها الحالية.
وتكمن المشكلة بين الطرفين، التي تحول دون تأليف الحكومة، في مطالبة الجانب الفلامندي بنقل الصلاحيات الفدرالية إلى المناطق، وتحويل بلجيكا إلى كونفدرالية، ولا سيما أن الفلامنديين يتهمون الوالونيين بالتصرف بالمساعدات الأوروبية لتعمير مناطقهم.
وواجهت الأحزاب الوالونية، التي توحدت للمرة الأوّلى، احتمال الكونفدرالية بالدعوة إلى توسيع حدود مقاطعة بروكسل، لمدّ حدودها حتى المناطق الفلامندية لضمان استمرار الوحدة الترابية بين بروكسل والمقاطعة الفرنكوفونية الثانية «والوني»، وذلك كإجراء احتياطي ضد أي انفصال محتمل، ما اعتبرته الأحزاب الفلامندية «إعلان حرب».
والمشكلة الجوهرية الثانية تتمثل في غياب الأحزاب الوطنية، إذ إن الأحزاب المتصارعة على الحكم تنتمي إلى الأقاليم الفدرالية. وفي حال فشل المفاوضات للتوصّل إلى حكومة ائتلافية، قد يكون الحل في اللجوء إلى انتخابات مبكرة أو تكريس مبدأ التقسيم.
ويبدو أن من الصعب الاعتماد دائماً على ترويض الصراعات العرقية والطائفية، وخصوصاً إذا كانت الأطراف غير راغبة في تجاوز الخلافات. ففي بلد لا يجمع بين أفرقائه سوى النبيذ والشوكولا، يظهر تحقيق هيكلية الدولة الملتحمة بعيد المنال، فلا يبقى له إلاّ الانفجار.
وفي السياق، يقول المحلّل كارولين ساجيسير إن «البلد يضم متطرفين. يرى البعض أن بلجيكا ستنتهي بينما يقول آخرون إنها على مشارف الهاوية. لا أعتقد أنها ستنقسم في الوقت الحالي، ولكن سأُفاجأ إذا متّ فيها».