strong>بول الأشقر
طلب الرئيس الكولومبي، ألفارو أوريبي، من نظيره الفنزويلّي هوغو تشافيز أوّل من أمس، عدم «السقوط في فخ» مجموعة الـ«فارك»، لتجنّب «الإضرار بالعلاقات» بين البلدين، وذلك بعدما وضع حدّاً لوساطته في مسألة «التبادل الإنساني» بين رهائن متمرّدي تلك القوّات الثورية المسلّحة ومقاتليها المعتقلين في السجون الكولومبيّة. وهو إجراء وصفه تشافيز بأنّه «خيانة ستؤثر على العلاقات الثنائية»، طالباً «إيضاحات».
وقالت الرئاسة الكولومبية، في بيان تلاه المفوّض الأعلى للسلام، لويس كارلوس ريستريبو، إنّ هدف «المجموعة الإرهابيّة (القوّات الثوريّة المسلحة) هو التسبّب بخلافات بين كولومبيا وفنزويلا». وأضافت أنّ «كلّ شيء يدلّ على أنّ القوّات الثورية ليست مهتمّة بالإفراج عن الرهائن ولا تقدم دليلاً على أنّهم على قيد الحياة، بل تسعى إلى القيام بسياسة دولية».
ولفتت الرئاسة إلى أنّها «قلقة من التلاعب بالأدلّة بشأن أحد الرهائن المحتجزين لدى القوات الثورية»، وذلك إثر تقرير للشرطة الكولومبيّة ذكر أنّ الإعلان عن وجود أدلّة على أنّ النقيب الكولومبي، غييرمو سولورزانو، المحتجز لدى الـ«فارك» منذ 5 أشهر، لا يزال على قيد الحياة، يعدّ «تلاعباً» يهدف إلى «تعزيز دور» تشافيز في هذه القضية.
واتهم قائد الشرطة، أوسكار نارانخو، الصحافي وليام بارا، من شبكة التلفزة «تيليسور» المؤيّدة لتشافيز، بالتواطؤ مع القوّات المسلّحة في خطف سولورزانو، بعدما عرض مقابلة أجراها مع المخطوف في جبال كولومبيا، يتحدّث فيها الأخير عن الوساطة التي يقوم بها تشافيز، ويعبّر عن تفاؤله في إمكان التوصّل إلى اتفاق.
وكان تشافيز، في ردّ فعله الأوّل على وقف وساطته، قد قال إنّه «يحترم سياديّة قرار زميله»، وإنّه ينتظر «فرصة الاجتماع به لاستيضاح أسباب هذا القرار المؤسف والأحادي الجانب»، والذي صدر، بحسب بيان رئاسي، بعدما أجرى تشافيز اتصالاً بقائد الجيش الكولومبي، ماريو مونتويا أوريبي، «فيما كان الرئيس الكولومبي سبق أن حرّم هذا النمط من الاتصالات».
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي طالب أوريبي بـ«إعادة النظر في قراره، والسماح للرئيس تشافيز بمتابعة جهوده». وكان سيد الإليزيه، المنكبّ على الإفراج عن الكولومبية ـــــ الفرنسية إنغريد بيتانكور المعتقلة لدى الـ«فارك»، قد تناول وتشافيز الفطور معاً في بداية الأسبوع الماضي في باريس، حيث أعلن الرئيس الفنزويلّي أنّه تلقى رسالة من زعيم الـ«فارك»، مارولاندا، يُعلمه فيها أنّه سيرسل له قبل نهاية العام دليلاً حسيّاً يثبت أنّ جميع الرهائن على قيد الحياة. ويوم الأربعاء الماضي، أعطى الرئيس الكولومبي تشافيز، مهلة أخيرة لإتمام الصفقة، حتى نهاية العام نفسه.
ويطرح موضوع الإلغاء المفاجئ لوساطة تشافيز ومعاونته، عضوة مجلس الشيوخ الكولومبي بييداد كوردوبا، عدداً من الأسئلة الصعبة، فيما يعود وضع الرهائن إلى نقطة الصفر، وإلى الوضع الذي كان قائماً عليه قبل بداية الوساطة:
ـــــ أوّلاً، كان المراقبون يُجمعون، حتى قبل إنهاء الوساطة، على أنّ تشافيز هو الطرف الوحيد، أو على الأقلّ الأكثر قدرة، على إتمام الصفقة، وأنّه، إذا لم تتكلّل جهوده بالنجاح، فلن تكون هناك فرصة أخرى للإفراج عن الرهائن خلال ولاية أوريبي، أي السنوات الثلاث المقبلة.
كذلك أجمع المراقبون على أنّ الحراك الذي أنتجه تشافيز كان قد سمح خلال الأشهر الثلاثة الماضية بحصول التقدّم الأكبر حتّى الآن، في هندسة «التبادل الإنساني». ويُرجَّح الآن أن تعود الضغوط مضاعَفة على أوريبي من جانب ذوي الرهائن والدول المعنيّة، أي فرنسا والولايات المتّحدة، اللتين لهما 3 عسكريّين اعتُقلوا على الأراضي الكولومبية، وخصوصاً أنّ اتفاقية التجارة الحرّة مع كولومبيا تواجه صعوبات لإقرارها في الكونغرس الأميركي.
ـــــ ثانياً، أبعد من الخرق البروتوكولي الذي ينسبه البيان الرئاسي الكولومبي إلى تشافيز، ربّما يعبّر قرار أوريبي، الذي بنى كلّ سيرته السياسية وشعبيّته المرتفعة على مقارعة الـ«فارك»، عسكريّاً وكلاميّاً، عن تململ متزايد في صفوف الجيش، وعن محاولة يائسة للجم دخول المنظّمة اليساريّة من الباب السياسي في عمليّة التبادل.
فقد كانت التحضيرات جارية لعقد قمّة بين تشافيز ومارولاندا في الأدغال الكولومبيّة، وفهم أوريبي أنّ الـ«فارك» لن تُفرج عن الرهائن إلّا بعد الحصول على اعتراف سياسي بها.
عند توكيله بدور الوساطة، كانت خطّة أوريبي تقضي بأنّ تشافيز هو الرجل المؤهَّل لاستلام الرهائن من «الإرهابيّين والمجرمين»، كما تصفهم بوغوتا، وأنّ مجرد القبول بالتسوية التي كان قد رفضها خلال ولايته الأولى، يُعَدّ تنازلاً من جانبه، وبعد ذلك يأتي ربما الاعتراف السياسي.
في انتظار تطابق النظرتين، من المرجَّح أن يزداد صراخ أهالي الرهائن في بوغوتا وباريس وواشنطن.