strong>محمد بدير
تحاول «الأخبار» في ما يلي استعادة خلفيات الدعوة إلى مؤتمر أنابوليس وأسبابها والقضايا المدرجة في جدول أعماله والنقاط الخلافية فيه وفرص نجاحه

• كيف انطلقت فكرة المؤتمر وما هي خلفياتها وأسبابها؟
ـــــ جاء الإعلان عن المؤتمر في خطاب الأمة الذي ألقاه الرئيس الأميركي جورج بوش في السادس عشر من تموز الماضي. ورغم تأكيده ضرورة البدء في بحث قضايا الحل الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين، لم يحدد بوش ماهية الاجتماع، الذي قال إنه سينعقد في الخريف، سواء لجهة كونه مؤتمراً أو لقاء أو اجتماع قمة، أم لجهة صفته الدولية أو الإقليمية. وبقي الغموض يلف هذا الجانب طوال الفترة التي بدا فيها أن أصل انعقاده موضع شك، إلى أن تمكنت الولايات المتحدة أخيراً من إقناع الدول العربية بالمشاركة فيه، الأمر الذي أمكن منحه صفة المؤتمر الدولي.
ومعروف أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس كانت العرابة الرئيسية لفكرة المؤتمر وأنها أقنعت بوش بها في ضوء الصورة القاتمة التي وصل إليها الوضع الأميركي في المنطقة: تحول العراق إلى مستنقع دام يستنزف الجيش الأميركي من دون أفق سياسي واضح، وهزيمة إسرائيل في لبنان أمام حزب الله، وهو ما أفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان موضع الرهان الأميركي من وراء الحرب، وفوز «حماس» في الانتخابات الفلسطينية ولاحقاً حسم سيطرتها الميدانية على قطاع غزة، ومراوحة الوضع اللبناني مكانه من دون التمكن من لي ذراع المعارضة وتحقيق الغلبة عليها، وبقاء الموقف السوري على صلابته وعدم تقديمه تنازلات في أي من الملفات ذات الصلة بالسياسة الأميركية في المنطقة، وأخيراً عدم التمكن من تسجيل أي إنجاز على الجبهة النووية الإيرانية في ظل ازدياد مواقف طهران ثباتاً وتصعيد خطابها السياسي إلى مستويات لا سابق لها من التحدي لواشنطن والاستخفاف بها.
يمكن القول، في ضوء ذلك، إن مؤتمر أنابوليس، في خلفياته غير المعلنة، كان مناسبة لإعادة ترميم الهيبة الأميركية في المنطقة وتأكيد استمرار قدرتها على الإمساك بزمام المبادرة وبمفاصل الحركة السياسية فيها. وفي الإطار نفسه، خُطط للمؤتمر لأن يكون محطة تأسيسية تظاهرية لما تسميه واشنطن «حلف المعتدلين» في مواجهة «حلف المتطرفين» الذي تنضوي فيه قوى الممانعة في المنطقة، بدءاً بإيران وانتهاء بالمقاومة الفلسطينية، مروراً بسوريا وحزب الله. أما على المستوى الداخلي الأميركي، فوظيفة المؤتمر الإظهار لخصوم الإدارة الحالية أن ثمة «نقاط ضوء» في الفشل المطبق الذي يسم سياساتها الخارجية عموماً، والشرق أوسطية خصوصاً. ويمكن من هذه الزاوية النظر إلى المؤتمر بوصفه محاولة أخيرة لتسجيل إنجاز ما في سجل إدارة بوش المليء بالإخفاقات، في العام الأخير من ولايته.

• ما هي القضايا المدرجة في جدول أعمال المؤتمر؟
ـــــ العنوان الوحيد الذي أعلن المؤتمر من أجله هو القضية الفلسطينية. وكما أشير أعلاه، شدد بوش في إعلانه عن المؤتمر على أهمية التفاوض لحل المسائل الجوهرية العالقة التي تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية، وهي مسائل الحدود واللاجئين والقدس. إلا أنه سرعان ما ظهرت الخلافات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في شأن ترجمة هذه الدعوة. ففيما طالب الفلسطينيون، بشخص رئيس السلطة محمود عباس، بأن يتمخض عن المؤتمر «اتفاقية إطار» تحدد مبادئ حل المسائل الثلاث إضافة إلى الجدول الزمني للتفاوض عليها، اكتفى الإسرائيليون بداية بالموافقة على «إعلان نوايا» يظهر استعداد الطرفين لحل هذه المسائل.
إلا أن الموقف الإسرائيلي تراجع بسرعة في ضوء الضغوط الداخلية التي تعرض لها رئيس الوزراء إيهود أولمرت من شركاء في ائتلافه الحكومي، في مقدمتهم وزيرة الخارجية والشخص الثاني في حزب كديما تسيبي ليفني، ورئيس حزب العمل وزير الدفاع إيهود باراك، ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف وزير التهديدات الاستراتيجية أفيغدور ليبرمان. فقد عارض هؤلاء، انطلاقاً من رؤى متباينة، رفع السقف السياسي للنتائج المفترض صدورها عن المؤتمر.
نتيجة لذلك، وبعد سلسلة من اللقاءات بين عباس وأولمرت، وافق الفلسطينيون على الاستجابة لمأزق الزعيم الإسرائيلي، فخفضوا سقف طموحهم إلى حد الاكتفاء بـ«بيان مشترك» يصدر عنه. إلا أن الخلاف نشب بشأن مضمون البيان بين الوفدين الفلسطيني برئاسة أحمد قريع، والإسرائيلي برئاسة ليفني، اللذين كُلّفا مهمة صوغ البيان. ولم تنفع الجولات الثماني التي أجرتها رايس على المنطقة في تليين موقف الجانبين اللذين لم يتوصلا في نهاية المطاف إلى الاتفاق على صيغة البيان، فأعلن عباس فشل الجهود على هذا الصعيد. وفي كل الأحوال، فقد تحدثت تقارير إعلامية عن خطاب رئاسي أميركي في المؤتمر يعوض في ما سيتضمنه من نقاط عن الفشل في التوصل إلى بيان مشترك.

• ما هي أبرز نقاط الخلاف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في بنود البيان المشترك؟
ـــــ حاول الإسرائيليون إفراغ البيان من أي مضمون فعلي يمكن أن يفيد بمعنى إلزامي تجاه مستقبل المفاوضات مع الفلسطينيين. وهكذا، رفض الجانب الإسرائيلي أن يصار إلى التطرق إلى قضايا الحل الدائم إلا على سبيل الإشارة العامة، فيما طالب الفلسطينيون بأن يتضمن البيان مبادئ حل هذه القضايا، مثل إيراد الاستعداد الإسرائيلي للانسحاب إلى حدود عام 1967 والإشارة إلى «القدس الشرقية» بوصفها العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية. كذلك رفض الإسرائيليون إدراج المباردة العربية بين مرجعيات التفاوض المستقبلي، التي قصروها على القرارات الدولية 242 و336 وخريطة الطريق ورؤية بوش عام 2004. ورفض الإسرائيليون أيضاً الحديث عن جدول زمني للمفاوضات، وأصرّوا من جهة أخرى على إيراد بند يشير إلى الاعتراف بإسرائيل بصفتها دولة للشعب اليهودي في مقابل فلسطين التي هي دولة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي اعترض عليه الجانب الفلسطيني. وفي خلاصة الموقف الإسرائيلي، يمكن القول إنه أراد للمؤتمر أن يكون فقط «نقطة انطلاق للعملية السياسية تبدأ بعدها المفاوضات بشأن الحل الدائم»، أي مناسبة احتفالية بإعادة إطلاق المفاوضات بينه وبين الفلسطينيين على أساس مبادئ خريطة الطريق التي تشرط أي تقدم سياسي بقضاء السلطة على «الإرهاب» وتحقيق الاستقرار الأمني بالنسبة لإسرائيل.
وبحسب الوضعية السياسية عشية عقد المؤتمر، يمكن القول إن الإسرائيلي نجح في مسعاه، خاصة أن أولمرت كان قد أعلن في وقت سابق أنه اتفق مع عباس على تعليق تنفيذ أي شيء يتفق عليه بين الجانبين إلى حين تمكن السلطة الفلسطينية من بسط نفوذها الأمني على الضفة الغربية وقطاع غزة وتالياً وقفها لنشاط المقاومة الفلسطينية.

• ما هي خلفية المقاربة الإسرائيلية للمؤتمر؟
ـــــ إضافة إلى كونه مصلحة إقليمية أميركية ـــــ إسرائيلية مشتركة ترتبط ببلورة حلف عربي غربي في مقابل النفوذ الإيراني، يرى أولمرت في المؤتمر فرصة لإعادة تعويم رئيس السلطة الفلسطينية وفريقه في مواجهة خصومه الداخليين، وفي مقدمتهم حركة «حماس» وباقي قوى المقاومة.
وقد كشف أولمرت عن حقيقة مقاربته بهذا الشأن في كلمة ألقاها يوم الجمعة الماضي، رأى فيها أن بقاء الوضع الراهن كما هو مع الفلسطينيين «سيؤدي إلى نتائج خطيرة، تفوق خطورة تداعيات فشل المؤتمر». وأوضح أن عدم استئناف المفاوضات مع فريق عباس سيقود إلى «انزلاق السيطرة في الضفة الغربية لمصلحة حماس وإلى إضعاف، وربما اختفاء، التيار الفلسطيني المعتدل».
وهذا ما يفسر الكرم الإسرائيلي اللافت تجاه عباس أخيراً لجهة الموافقة على إطلاق سراح 450 أسيراً بمناسبة المؤتمر فضلًا عن الإعلان المكرر لوقف البناء الاستيطاني والتعهد بإخلاء البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية. إلى ذلك، يمكن أن تضاف المصلحة الإسرائيلية الأكيدة في «استقطاب العالم العربي» المتأتي عن المؤتمر بحسب ليفني، والمصلحة الشخصية بالنسبة لأولمرت في تسجيل إنجاز سياسي وإعلامي ومعنوي على هذا المستوى. بهذا المعنى يتحول المؤتمر إلى مناسبة لترميم المكانة السياسية المتصدعة لأولمرت، ولهذا أطلق عليه اسم مؤتمر «حلف الضعفاء»، في إشارة إلى بوش وأولمرت وعباس.

• ما هي النتائج المتوقع أن يتمخض عنها؟
ـــــ تجمع التعليقات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية على أن المؤتمر لن يكون أكثر من مناسبة دولية «لالتقاط الصور» على صعيد المسار الفلسطيني، حيث الهدف منه، بحسب أولمرت نفسه، «إنشاء مظلة دولية لعملية التفاوض الثنائية بيننا وبين الفلسطينيين»، أو «بداية عملية سياسية لحل الدولتين» بحسب ليفني. وفي إشارة إلى حقيقة الرهان الإسرائيلي على المؤتمر من حيث كونه تطبيعاً مجانياً، أعلن أولمرت في سياق آخر، أن «المؤتمر لا يمكن أن يفشل، لأن نجاحه يكمن في أصل انعقاده»، كما كانت رايس قد أشارت في تصريح مماثل.
إلا أن ذلك يخالف تقديرات المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية التي رجّحت، بل توقعت، فشل المؤتمر من حيث التعويل الفلسطيني على النتائج المتوقعة منه، ولذلك حذرت من تدهور الوضع الأمني في أعقابه. وفيما يرى مراقبون أن المؤتمر قد يمثّل غطاء سياسياً لعدوان إسرائيلي محتمل على قطاع غزة، يرى آخرون أن إعلان المشاركة السورية فيه خطف الأضواء عن الموضوع الفلسطيني فيما يمكن اعتباره مؤشراً إلى مرحلة جديدة في السياسة الأميركية في المنطقة عنوانها محاولة استقطاب سوريا إلى «محور الاعتدال» وإخراجها من «الفلك الإيراني».