موسكو ــ حبيب فوعاني
الأوضاع في أوكرانيا تزداد تعقيداً. فرغم إعلان الرئيس فيكتور يوتشينكو أوّل من أمس استعداده لتأليف حكومة ائتلافيّة بين «التحالف البرتقالي» وكتلة رئيس الوزراء فيكتور يانوكوفيتش، رفضت الكتلة البرلمانيّة الموالية له، «أوكرانيا لنا»، هذا الإجراء لـ«معارضته لطبيعة العمليّة الديموقراطيّة»، وذلك في وقت يزداد فيه التوتّر مع الجانب الروسي حول كيفيّة تكييف التوليفة الحكوميّة مع المصالح... و«سلاح الغاز»


رغم فرز 99.95 في المئة من الأصوات لتحديد نتائج الانتخابات البرلمانيّة غير العاديّة التي جرت الأحد الماضي، لم تحزم اللجنة المركزية الانتخابية الأوكرانية أمرها بعد، ولم تفلح في تحديد نتائج رسميّة.
وحتّى الآن يحظى «حزب الأقاليم»، الذي يتزعّمه فيكتور يانوكوفيتش، بنسبة 34.35 في المئة من الأصوات، فيما حافظت كتلة يوليا تيموشينكو على المرتبة الثانية (30.73 في المئة)، تليها كتلة «أوكرانيا لنا»، الموالية ليوتشينكو، (14.16 في المئة)، و«الحزب الشيوعي الأوكراني» (5.39 في المئة)، وأخيراً كتلة رئيس الوزراء السابق، فلاديمير ليتفين، (3.96 في المئة ).
في المقابل، لم يفلح الحزب الاشتراكي في تخطّي حاجز الـ3 في المئة من التأييد من أجل دخول الـ«رادا» (البرلمان)، بنيله 2.86 في المئة من الأصوات فقط.
الأوساط «البرتقالية»، الموالية للغرب، تعيد التأخّر في إعلان النتائج إلى محاولة أنصار «حزب الأقاليم» ترتيب فوز حليفهم «الاشتراكي»، فيما يتحدّث الموالون ليانوكوفيتش، عن «عدم مهنيّة» موظّفي اللجنة الانتخابية، الذين اعتادوا العمل اليدوي ولم يتأقلموا مع التقنيات الحديثة.
إلّا أنّ التعقيد الذي برز أمس، وأعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وقضى على أيّ مساع توافقيّة محتملة كان يوتشينكو قد أوحى بها، أعرب عنه رئيس كتلة «أوكرانيا لنا» يوري لوتسينكو، عندما استبعد «ائتلافاً حكومياً موسّعاً» يضمّ الجميع، رغم أن أيّاً من المتنافسين لم يحظ بنسبة تأييد تؤهّله لحصد 226 مقعداً في الـ«رادا» (من أصل 450 مقعداً) من أجل تأليف الحكومة منفرداً.
وفيما كان السياسيّون في كييف يبحثون «سيناريوهات» النتائج النهائيّة من أجل تحديد خطواتهم اللاحقة، كانت موسكو تراقب الوضع عن كثب. وتذكّرت شركة «غاز بروم» الروسية المتأخّرات الأوكرانية المستحقة لها، والبالغة 1.3 مليار دولار، بدل توريد الغاز، وهدّدت بخفض صادرات من هذه المادة إلى كييف، ولمّحت إلى إمكان تعديل في أسعار الغاز المصدّر.
والتلويح بورقة «الطاقة» إنذار واضح من الجانب الروسي في حال ترؤّس تيموتشينكو، «الأميرة البرتقاليّة»، للحكومة، مع ما سيتبع ذلك من فسخ لاتفاقية توريد الغاز الروسية ـــــ الأوكرانية وإعادة للخصخصة ومضايقات للرأسمال الروسي الموظّف في الاقتصاد الأوكراني والتوجّه غرباً نحو شمالي الأطلسي.
واتّهمت الأوساط الأوكرانية عملاق الغاز الروسي بالحلول محل وزارة الخارجية الروسية في صنع السياسة الخارجية. إلّا أنّ مصادر «غاز بروم» أجابت بالقول «إذا أردتم التوجّه نحو أوروبا المتحضّرة، فادفعوا مثلها»، حيث تدفع كييف ثمن الألف متر مكعّب من الغاز، 135 دولاراً، بينما تدفع ألمانيا مثلاً 240 دولاراً ثمناً له.
خطوة موسكو لم تؤثّر، في البدء، على احتفال «البرتقاليين» بالنصر. فقد كرّسوا يوم أوّل من أمس، لتقاسم الحقائب الوزارية بين «كتلة يوليا» و«أوكرانيا لنا» في الحكومة الجديدة. كانت الأولى تطمح إلى الاستيلاء على الحقائب الاقتصادية، تاركةً الأمنية والعسكرية لرجال الرئيس. وانتظر الجميع بفارغ الصبر خطاب يوتشينكو، الذي كان من المتوقّع أن يعلن تشكيل ائتلاف حاكم «برتقالي» جديد. إلّا أنّ الاتّصالات تمخّضت عن إرسال يانوكوفيتش لوزير الطاقة والوقود الأوكراني، الموالي لروسيا، يوري بويكو، على عجل إلى موسكو، واجتماعه مع النائب الأوّل لرئيس الوزراء دميتري مدفيديف، وأعلن بسرعة التوصّل إلى تسوية تسدّد كييف بموجبها المتأخرات قبل نهاية الشهر الجاري.
ونتيجة «التسوية»، دعا يوتشينكو في كلمته، الأحزاب والكتل الأوكرانية الفائزة، باستثناء الشيوعيين، ربما لعدم إثارة بروكسل وواشنطن أو لعدم رغبتهم بالتعاون مع «البرتقاليين»، إلى تشكيل ائتلاف حاكم موسّع وأكثرية برلمانية كبرى، الأمر الذي وافق عليه يانوكوفيتش. لكن تيموشينكو رفضت التعاون مع «مافيا الأقاليم». ورغم الحظوظ الكبيرة ليانوكوفيتش، بفضل الدعم الروسي، لتبوّء منصب رئاسة الحكومة، إلّا أنّ صراعاً جديداً يستعر في ما بين القوى السياسية الأوكرانية، والغرب وروسيا، وهو لا يبشّر بتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في القريب العاجل.
وعن مدى النفوذ الروسي في البلاد المجاورة التي تضمّ 47 مليون نسمة، يرى رئيس «معهد الاستراتيجيات العالمية» الأوكراني، فاديم كاراسيف، أنّ «روسيا استخدمت سلاح الغاز للتأثير على تشكيل الائتلاف»، وأنّ «الغاز قام بمهمته من جديد»، بعدما كانت العلاقات قد تدهورت بين البلدين عام 2005، وأدّت إلى اندلاع أزمة طاقة سمّتها صحيفة «غازيتا» الروسية، «حرب الغاز العالمية الأولى».
ويقول المحلّل السياسي الأوكراني، دميتري فيدرين، إنّ تشكيل الائتلاف الواسع مستحيل بسبب معارضة تيموشينكو، الأمر الذي يعني نشوب أزمة جديدة وإجراء انتخابات مبكرة جديدة. إلّا أنّ صحيفة «كوميرسانت» الروسيّة لفتت إلى أنّ دفن «الائتلاف البرتقالي» سابق لأوانه. ووفقاً لأحد سيناريوهاتها، فإنّه بعد إعلان تيموشينكو رفضها القاطع للدخول في حلف مع «الأقاليم»، يعلن قادة «أوكرانيا لنا» عدولهم عن التحالف مع يانوكوفيتش من أجل تشكيل الائتلاف الواسع، وبعد ذلك يعلن يوتشينكو تشكيل ائتلاف «برتقالي».
إعلان «أوكرانيا لنا» رفضها التحالف مع «الأقاليم» تمّ، وتبقى خطوة يوتشينكو، وفي هذه الحالة، لا مفرّ من نشوب حرب غاز جديدة بين موسكو وكييف، ستفوق بحجمها تلك، التي اندلعت عام 2005، والتي لن يبقى الاتّحاد الأوروبي وواشنطن في منأى عنها.