رام الله ــ أحمد شاكرالقاهرة ــ خالد محمود رمضان

الإدارة الأميركيّة تدرس تأجيل المؤتمر الدولي... والقاهرة تفضّل عدم عقده بغياب وثيقة إيجابيّة


واصلت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أمس محادثاتها في إسرائيل والأراضي الفلسطينيةالمحتلّة، فالتقت الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتؤكّد له أن المؤتمر الدولي للسلام المقرّر في شهر تشرين الثاني المقبل سيبحث في القضايا الجوهرية، فيما جدّد عباس المطالبة بأن يكون المؤتمر انطلاقة لمفاوضات الوضع النهائي.
وقال مسؤول فلسطيني رفيع المستوى لـ«الأخبار» أمس إن عبّاس وجّه سيلاً من الأسئلة إلى الوزيرة الأميركية خلال لقائهما في مقرّ المقاطعة في مدينة رام الله أمس «وسط أجواء من عدم الرضى عن أجوبة رايس».
وأشار المسؤول، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إلى أن أبو مازن استفسر من رايس عن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الرافضة لتحديد جدول زمني للاتفاقات بين الجانبين، وهل الولايات المتحدة راضية عن ذلك وعن استمرار الاستيطان وتهويد القدس المستمر من دون توقّف.
وقال المصدر نفسه إن عبّاس أبدى استغرابه من عدم ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل من أجل وقف نشاطاتها الاستيطانية وعملياتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية. وأوضح أن عباس أكد لرايس أنه لا يمكن أن يقبل الفلسطينيون بأي اتفاق سلام مع اسرائيل فيما تواصل عدوانها وعملياتها العسكرية، وأنها (إسرائيل) مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتخفيف عن الفلسطينيين وتقديم تنازلات مؤلمة من أجل الوصول إلى اتفاق سلام يُرضي الجانبين ولا يخذل العرب».
وشدد المسؤول الفلسطيني على أن عباس أبلغ رايس أن المبادرة العربية للسلام ورؤية الرئيس الأميركي جورج بوش لقيام الدولتين هما المعتمدتان لدى الفلسطينيين والعرب، وأنه من دونهما لا يمكن التوصل إلى سلام يرضي الفلسطينيين والعرب.
وقال المصدر إن رايس ردّت على عباس بطمأنته إلى أن الإدارة الأميركية تمارس الضغوط على إسرائيل وعلى أولمرت، وأنها ستعمل ما بوسعها من أجل قيام الدولة الفلسطينية العتيدة وأنها ستساعدها اقتصادياً وأمنياً لتبقى دولة حقيقية وتعتمد على نفسها بعد سنوات.
وفي مؤتمر صحافي مشترك في رام الله بعد المحادثات، شدّد أبو مازن على «أن العمل جارٍ مع الإسرائيليين على وثيقة مشتركة تحدّد أسس الحل النهائي»، فيما أقرت رايس بصعوبة المفاوضات في المرحلة المقبلة وضرورة دعم المجتمع الدولي لها.
وقال عباس «نحن نبذل الجهود للوصول إلى المؤتمر من أجل إنجاحه، ونحن نعمل على وثيقة مشتركة مع الجانب الإسرائيلي تحدَّد فيه الركائز والمحدّدات لأسس الحل النهائي للوضع النهائي كالقدس والحدود واللاجئين والمياه والأمن والاستيطان والعلاقات المشتركة». وأضاف «أكدنا أهمية إطلاق المفاوضات للوضع النهائي للتوصل إلى معاهدة سلام استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والمبادرة العربية وخطة خريطة الطريق ورؤية بوش للوصول إلى سلام شامل ودائم وعادل على جميع المسارات انطلاقاً من المسار الفلسطيني».
ودعا عباس إلى «الوضوح في جدول أعمال المؤتمر الدولي المرتقب». وقال «يجب أن يكون واضحاً ومفهوماً لا فرصة لالتقاط الصور». وجدّد الحديث عن الجدول الزمني. وأوضح أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لن تستمر إلى الأبد بعد انعقاد مؤتمر الخريف»، مضيفاً «يجب أن نحدّد سقفاً زمنياً لهذه المفاوضات، على أن تنتهي بقيام الدولة الفلسطينية».
أمّا وزيرة الخارجية الأميركية، فطالبت، من جهتها، «بتجنّب كل الإجراءات التي ما من شأنها زعزعة الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي»، موضحة أن «هناك عملاً كثيراً ينبغي إنجازه خلال الأسابيع المقبلة وتشجيع الأطراف المعنية على تطبيق التزامات المرحلة الأولى من خريطة الطريق».
وأعلنت وزيرة الخارجية الأميركية أن الاجتماع سيكون «جدياً وجوهرياً، سيدفع قضية قيام دولة فلسطينية الى الأمام. بصراحة، لو كان الأمر لمجرد التقاط صور، لما كنا كلفنا أنفسنا عناء دعوة أشخاص إلى انابوليس». وأضافت «آمل أن يفهم الجميع أن الرئيس بوش قرر أن يجعل الأمر من أولى أولوياته، وهو جادّ للغاية في تحقيق نتائج جيدة بأسرع وقت ممكن». وتابعت «أنا التقيت الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وسألتقي الرئيس المصري والملك الأردني، وهي عملية مستمرة ولدينا الوقت ونشعر بالجدية والالتزام من الرئيس عباس والسيد أولمرت».
ورأت رايس أن الوثيقة المشتركة المقرر أن يُصدرها الفلسطينيون والإسرائيليون «ليست نهائية بحد ذاتها بل إنّها أسس للتفاوض وإقامة الدولة الفلسطينية، ويجب أن تكون ملموسة وقابلة للمضي قدماً». وقالت إنه «عندما تبدأ مفاوضات إقامة الدولة الفلسطينية ستكون صعبة ومباشرة، لكنها ستحظى بدعم المجتمع الدولي». وأضافت «قطعنا شوطاً طويلاً وأمامنا شوط طويل آخر، ولن أكلّ أو أرتاح حتى آخر لحظة في منصبي لإتمام هذه المهمة».
في هذا الوقت، نسبت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أمس إلى مصادر أميركية قولها إن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تفكّر في تأجيل مؤتمر الخريف. ونقلت عن هذه المصادر قولها إن ذلك «قد يكون بسبب انخفاض سقف التوقعات من هذا المؤتمر، الى جانب إعلان كونداليزا رايس صعوبة جسر الهوّة بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي، وإن الأمر قد يستلزم وقتاً طويلاً».
وكانت رايس قد التقت في القدس كلّاً من وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ووزير الصناعة إيلي يشاي ووزير المالية بار اون. وقالت الصحيفة إن الوزراء الإسرائيليين تحدثوا بلسان واحد
تقريباً وهو «ممنوع البت في قضايا الحل النهائي في مؤتمر الخريف». وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤولين الأميركيين خرجوا بانطباع يقود الى ضرورة تأجيل المؤتمر بسبب إصرار الفلسطينيين على بحث قضايا الحل النهائي مثل القدس والحدود واللاجئين.
حديث التأجيل لم يعد مقتصراً على الإدارة الأميركية، فقد طالب وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أيضاً بتأجيل المؤتمر إذا لم يكن هناك اتفاق مسبّق على أسس المباحثات فيه. وقال، في بيان له، إن استعجال عقد المؤتمر من دون الوصول إلى وثيقة جوهرية وإيجابية سيدمّر فرص السلام العادل».
ومن المقرّر أن تلتقي رايس اليوم الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة. وقالت مصادر مصرية لـ «الأخبار» إن الموقف المصري أقرب إلى مقاطعة المؤتمر الدولي منه إلى المشاركة فيه، مشيرة إلى أن مبارك سيستوضح من رايس حول جدول أعمال المؤتمر والآليات الخاصة بتنفيذ قراراته المتوقعة قبل إعلان موقفه النهائي.