الجزائر ــ حياة خالد
تفجــير انتحــاري جديد يتــحدّى «سياســة المصــالحة» ويدشّن مرحــلة «تصــفية الحســابات»

تظاهر آلاف الجزائريّين أمس «تنديداً بالإرهاب». السلطات متمسّكة بأنّ «الإرهاب الإسلامي المتشدّد إلى انحسار»، على الرغم من أنّ الفارق الزمني بين العمليّتين الانتحاريّتين الأخيرتين اللتين أودتا بحياة أكثر من 57 قتيلاً في باتنة ودلس، لم يتخطّ 48 ساعة. وقد تبنّاهما تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»

لم تكد الجزائر تداوي جراحها من العمليّة الانتحاريّة التي فشلت في استهداف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في باتنة، الخميس الماضي، وأودت بحياة 25 شخصاً، حتّى ضربتها يد الإرهاب مجدّداً، حيث أدّى تفجير انتحاري في ثكنة عسكرية في ميناء دلس بومرداس، شرق العاصمة أوّل من أمس إلى سقوط 32 قتيلاً وعشرات الجرحى.
وفي بيان نشر على الإنترنت، تبنّى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، الذي يتزعّمه عبد الملك دروكدال، الملقب بأبي مصعب عبد الودود، العمليّتين الانتحاريّتين. وقال: «نزفّ البشرى لإخواننا المسلمين بتنفيذ عمليتين استشهاديتين متتاليتين»، موضحاً أنّ منفّذيهما هما أبو مصعب الزرقاوي (العاصمي) الذي «استهدف الجيش الوثني في دلس»، وأبو المقداد الوهراني الذي فجّر نفسه «بواسطة حزام ناسف» في باتنة.
وهدّد البيان بمزيد من العمليات المشابهة، قائلاً: «نقول للمرتدّين وأسيادهم من الصليبيين: أبشروا بقدوم شباب الإسلام الذي يحبّ الموت والشهادة كما تحبّون حياة المجون والعربدة»، وأضاف: «إنّ سيوفنا لمسلولة حتى تكفّوا عن مناصرة الصليبيين في حربهم المعلنة، وحتى تطبّقوا شريعة الإسلام المغيّبة وتوقفوا حربكم على دين الله».
رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزبز بلخادم رأى أوّل من أمس أنّ الإرهاب الإسلامي ينحسر في البلاد، لأنّ الارهابيين «لم ينجحوا منذ 17 عاماً ولن ينجحوا أبداً في سعيهم اليائس لضرب الاستقرار في البلاد»، مشيراً إلى أنّ اعتداء دلس محاولة للتشويش على سياسة المصالحة الوطنية التي أطلقها الرئيس الجزائري، والتي قال إنها أتاحت التوبة للعديد من الشبان الذين حملوا السلاح ضد شعبهم، مكرّراً «تصميم الدولة على مواصلة سياسة الوفاق الوطني».
غير أن المتتبّعين للأوضاع في الجزائر، يجزمون بأن هناك خلافاً في المؤسّسة العسكرية، وأن سياسة المصالحة الوطنية فشلت، والبلاد تعيش مرحلة تصفية حسابات، وخصوصاً بعد تأكّد التائبين من التنظيم المسلّح أنّ السلطات لن تسمح لهم بإنشاء حزب إسلامي آخر يحلّ محل «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحلولة منذ التسعينيات، والتي كان حلّها سبب الأزمة التي تعيشها الجزائر. ولا يبقى أمام الشعب الجزائري وسط هذا التهديد الإرهابي الذي ينغّص حياته، سوى الخروج في مسيرات للتنديد بالإرهاب ورفض عودة العشرية الحمراء التي راح ضحيتها أكثر من 200 ألف قتيل من الأبرياء.
ففي ردّ فعل على أحداث العنف الأخيرة التي تعدّ الأولى منذ تفجيرات نيسان الماضي، والتي أودت بحياة أكثر من 33 شخصاً، خرج الجزائريّون أمس للتنديد بالأعمال الإرهابيّة ولتأكيد تمسّكهم بسياسة المصالحة التي يبدو أنّها لم تقض كلياً على التمرّد الإسلامي، وتكلّل الجهود المبذولة منذ العام 1999 للقضاء على الشرخ السياسي، الذي تحوّل إلى إرهاب في عام 1992 عندما مُنع الإسلاميّون من السيطرة على السلطة.
وردّد الحشد، الذي كان معظمه من النساء، هتافات مثل: «الإرهابيون ليسوا مسلمين»، و«الشعب الجزائري يرفض الإرهاب ويؤيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة»، و«المصالحة الوطنية هي السبيل لحل الأزمة».
وتتزامن العمليّتان الانتحاريّتان مع وضع اجتماعي مزرٍ يعيشه الجزائريون نتيجة غلاء المعيشة وضعف القدرة الشرائية للمواطن، رغم البحبوحة المالية التي يعرفها الاقتصاد الجزائري. وتسبق العمليتان أيضاً شهر رمضان، الذي تكثر فيه العمليات الإرهابية عادة. وقد أكّدت السلطات الجزائرية أنّها تكثّف من الإجراءات الأمنية.
كما تأتي الضربتان الإرهابيّتان قبل الانتخابات المحلية المقررة في تشرين الثاني المقبل، والتي تريد السلطة إنجاحها بتحقيق مشاركة مهمّة، عكس ما حدث في الانتخابات التشريعية التي جرت في أيّار الماضي، والتي قاطعها الجزائريّون باعتراف رسمي.