باريس ــ بسّام الطيارة
وضع عدد من المراقبين جولة وزير الخارجيّة الفرنسي برنار كوشنير في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، تحت مجهر التحليل لاستشفاف ما يخفيه هذا التحرّك الدبلوماسي السريع في منطقة هي على أبواب «تغيّرات كبرى»، كما لمّح لـ«الأخبار» مصدر رفيع المستوى. والاهتمام بالجولة مبني على عناصر عديدة متنوّعة ومتناقضة، إلّا أنّها، كما يقول المصدر نفسه، «ترسم خطوطاً عريضة لما يُحضّر خلف الكواليس».
مقرّبون من كوشنير كانوا قد ضمّوا أصواتهم إلى وجهات نظر مصادر، رافقوه خلال زياراته، وذلك لـ«توضيح» النقاط الإيجابية التي شكّلت حصاد هذه الجولة. إلّا أنّ التدقيق في هذه النقاط ومقاربتها مع ما ظهر خلال الأيام الأخيرة في تصريحات وتسريبات تتعلّق بالمنطقة، يفيدُ بأنّ الجولة حملت أكثر من ملفّ باطني يتجاوز التوضيحات التي رشَحت عن نتائج الجولة المشدّدة على الملفّين الفلسطيني واللبناني.
فقد بات معروفاً أن وصول كوشنير إلى الـ«كي دورسيه» عند تأليف الحكومة الفرنسيّة الجديدة، تمّ في ظلّ اتفاق ضمني مع الرئيس نيكولا ساركوزي بأن يهتمّ حصرياً بـ 4 ملفّات فقط هي: لبنان، دارفور، العراق وكوسوفو، وأن يترك لـ«الإليزيه» إدارة ملف الشرق الأوسط بشقّيه: النزاع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي والملفّ النووي الإيراني.
ويشير مصدر مقرّب من هذين الملفّين إلى أنّ التوافق بين ساركوزي ونظيره الأميركي جورج بوش كان «تامّاً» حولهما. ويوضح المصدر أنّ «مبادرة كوشنير في لبنان» والذي يشدّد على أن «ساركوزي لم يتبنّاها رسمياً»، لم تكن تهدف إلى «مواجهة التحرّك الأميركي في الملفّ اللبناني» بقدر ما كانت محاولة لإخراج لبنان من المعمعة «قبل الدخول في تفاصيل ما اتُّفق عليه بين واشنطن وباريس بشأن ملف المنطقة كاملاً». والمواكبة التي حصلت عليها المبادرة من «الإليزيه» كانت بهدف إعطاء «كوشنير فرصة للذهاب إلى نهاية ما يراه ممكناً لدفع اللبنانيين للحوار» لا أكثر ولا أقل.
وينفي المصدر نفسه أن يكون كوشنير «غير مدرك أنّه أُعطي فرصة» للاستفادة من علاقاته لتحريك الوضع اللبناني، إلّا أنّه يضيف أنّه أدرك منذ زيارته الأولى «حدود المبادرة»، معتبراً وصف شعور الوزير بعد زيارته الأخيرة بأنّه «تفاؤل حذر» نوعاً من «الدبلوماسية العاطفية» وخصوصاً أنّ «زيارته الخاطفة» (6 ساعات) جاءت بعد جولته في الأراضي المحتلّة وإسرائيل ومصر والأردن حيث عمل على «الملفّ الأهمّ الذي هو هدف الدبلوماسية الفرنسية اليوم»، وهو ملف إيران النووي.
وتأكيداً على توجّه المرحلة المقبلة، يلفت مصدر آخر إلى تصريحات دبلوماسيّة فرنسيّة حول إمكان «تبنّي عقوبات جديدة ضدّ طهران في إطار مجلس الأمن» من دون استبعاد فرض عقوبات خارج إطار الأمم المتحدة.
وكانت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية، باسكال أندرياني، قد شدّدت قبيل مرافقتها كوشنير في جولته الأخيرة على أنّه «ما دام الإيرانيون لم يعلّقوا أنشطتهم النووية الحسّاسة، فإنّنا نريد ونتمنى فرض عقوبات إضافية». ووصفت التعليقات التي تتحدث عن «خطوات أحادية الجانب» بأنّها يجب أن تكون «أوروبية».
وتُجمع مصادر في باريس على أنّ «الدبلوماسية الفرنسية باتت على اقتناع بعدم إمكان تجنّب ضربة لإيران». وهي تعترف بـ«إيجابية» الخطوات الأخيرة والاتفاق الذي تم التوصّل إليه مع وكالة الطاقة النووية، إلّا أن تيّارات في الـ«كي دورسيه» مقتنعة بأنّ «إيران تصنع قنبلة نووية».
ومن هنا، يرى المراقبون أن زيارة كوشنير إلى المنطقة والتشديد على «الخطوات الإيجابية» التي تمثّلها لقاءات الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس ورئيس الوزراء الإسرائلي إيهود أولمرت، تأتي في سياق «مساعدة الأنظمة المقرّبة من الغرب على استيعاب الضربة المقبلة تجاه شعوبها».
ويتّفق الجميع على أن زيارة كوشنير الأخيرة لم تكن أكثر من «محاولة يائسة»، وخصوصاً أنّه مُدرك أنّ المبادرة التي أطلقها رئيس مجلس النوّاب اللبناني نبيه برّي، الذي يشدّد مقرّبون منه على أنّها كانت «جيّدة وأتت لتلاقي طلبات فرنسية»، لم يعد يمكن تطويرها مع إدراك جميع الفرقاء للتوجّه الصدامي الذي تسير نحوه المنطقة. ومن هنا، فإن مصادر قريبة من الوزير أكّدت أنّه لن يعود إلى المنطقة قبل انقضاء مدّة «طويلة».