بغداد ـ زيد الزبيدي
كيف يستنتج الرسميّون العراقيون أنّ الوضع الأمني والمعيشي في تحسّن مستمرّ منذ أشهر؟ سؤال يشغل بال من بقي حيّاً من المواطنين مسجوناً في منزله خوفاً من أن تطاله آلة القتل العشوائية، ومكتفياً بأربع ساعات من التيار الكهربائي، هذا إن كان من أصحاب حظوة السكن في العاصمة


لا يكفّ مسؤولو حكومة نوري المالكي، كما المسؤولون الأميركيون، عن ترداد «احتفالياتهم» بتحسّن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العراق، وإن كانوا يعترفون، في المقابل، مرغَمين، بأنّ الوضع السياسي هو الذي لا يزال مأزوماً من نواحي المصالحة الوطنية.
وغالباً ما يؤدي هؤلاء أدوار الضرير أو المصاب بـ«عمى ألوان» الذين، كلّما تتالت الأنباء عن سقوط عشرات المدنيّين على أيدي قوات الاحتلال أو بفعل عمليات التفجير والتفخيخ والقتل الطائفي، كرّروا معزوفتهم الأحب على قلوبهم مردّدين، كما فعل المالكي عقب لقائه مع الرئيس جورج بوش أوّل من أمس، أنّ الوضع الأمني في المناطق العراقية اليوم هو أفضل بما لا يُقاس، عمّا كان عليه قبل أشهر أو أعوام مضت.
وفي هذا الإطار، لا يجرؤ أحد من هؤلاء المسؤولين على طرح السؤال الذي من شأنه دحض أطروحة التحسّن الأمني والاقتصادي والمعيشي: هل المقصود تحسّن مقارنةً بالأسبوع أو الشهر الماضي، أم قياساً إلى عام أو عامين ماضيين، أم قياساً إلى ما كان عليه قبل الغزو منذ 4 سنوات؟ وبالتالي يصبح مشروعاً التساؤل عن المؤشّرات التي يعتمد عليها المسؤولون للدلالة على هذا التحسن.
للإجابة عن هذه التساؤلات الطارئة، يقول أستاذ علم الاجتماع العراقي الدكتور فائق الأوسي إنّ «البعض قد يتصوّر أنّ كثرة الصدمات وعنفها أفقدت العراقيين ذاكرتهم، لكنّ الواقع يناقض ذلك، فهناك من كانوا يقارنون الوضع الأمني بما كان عليه في العهد السابق الظالم، الذي أصبحوا يحنّون اليه، ثم تحوّل الأمر إلى حنين إلى ما كان الوضع عليه قبل سنوات قليلة، أو حتّى قبل سنة، أو قبل شهر، لكن هذا لا يلغي أنّ المقياس العام لمعرفة إذا ما كان هناك فعلاً تحسّن، يبقى معرفة ما إذا كانت شروط العيش موجودة أم لا». ويضيف «في الإعلام، يقولون إنّ عدد الجثث المجهولة التي يتمّ العثور عليها في الشوارع وعند مكبّات النفايات، تقلّص من مئة جثة يومياً إلى عشرة أو أكثر بقليل، فيا لفرحة العراقيّين بهذا الإنجاز الرائع!».
ويلفت الأوسي إلى أنّ «المسؤولين لا يذكرون من أين تأتي هذه الجثث، ومن المسؤول عنها، وما هي مسؤولية الحكومة والحشود العسكرية للاحتلال في هذه المأساة اليومية؟»، معتبراً أنه «لعار على أي حكومة أن تقف عاجزة أمام هذا الواقع».
بدوره، يرى الكاتب الصحافي نبيل محسن «أنّ أعمال العنف انخفضت بالفعل خلال الأشهر الأخيرة، ولكن العنف الحكومي العلني هو الذي ازداد». ويُعيد أسباب انخفاض معدّلات العنف إلى حقيقة أنّ «السكّان باتوا يقبعون في السجون والمعتقلات، إضافةً إلى هجرة 20 في المئة من العراقيين الشباب (باستثناء المنطقة الكردية)». ويدعم محسن حجّته بالإشارة إلى ما ذكره النائب عن كتلة الفضيلة وعضو لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب باسم شريف أمس، عن الوضع الصحي المتدهور في البلاد، وأنّ التقرير الأخير الذي صدر عن البرلمان الأوروبي يؤكّد أنّ 80 في المئة من الأطبّاء العراقيّين قد تركوا المهنة أو غادروا العراق منذ الاحتلال.
ويدلي محسن بشهادته عن الأوضاع الأمنية والمعيشية في مقرّ عمله في العاصمة بغداد، فيشير إلى أنّه حين يزور منزل أهله «خلسة» مرّة واحدة في الأسبوع، يلاحظ أنّ الشارع الذي يقع فيه المنزل العائلي شبه فارغ، سوى من كبار السن الذين صمدوا لمنع استيلاء العصابات عليها، مستنتجاً أنه لهذه الأسباب يسود الهدوء الشارع والمنطقة عموماً، و«الأمن مستتب».
ومن جهتها، تقول الموظّفة في الجامعة التكنولوجية سميرة محمد علي «من حسن الحظ أنّ بيتنا يقع بالقرب من الشارع الرئيسي في الكرادة، وأستطيع السير لأستقلّ سيارة أجرة للذهاب إلى عملي، لكن المشكلة التي أعانيها هي انقطاعات الطريق وكثرة الحواجز التي تمنعني في أحيان كثيرة من الوصول إلى الجامعة».
وتلاحظ سميرة أنّ «الوضع الأمني اليوم أفضل نسبياً ممّا كان عليه قبل أشهر، ولكنّه ليس أفضل حالاً عمّا كان عليه في العام الماضي، ولعلّ الشاهد على ذلك كثرة المحال التجارية المغلقة، رغم أنّ منطقتنا من أهم المناطق التجارية في بغداد». وتؤكّد أنّ الهجرة إلى الخارج أو باتحاه المدن والمحافظات الاخرى انخفضت «لأنّ الذين صمدوا في المنطقة أقلّية بالنسبة إلى الذين هاجروا».
أمّا الموظّف طالب عبد الحي من سكّان حيّ المنصور في العاصمة، فيعترف بأنّ هناك تحسّناً أمنياً قياساً بالأشهر الماضية، «لكن ليس مقارنة بالعام الماضي» عازياً السبب في ذلك إلى واقع أنّ التقسيم المناطقي أصبح أمراً واقعاً على المناطق التي كانت سابقاً مختلطة طائفياً.
وعن صعوبة التنقّل بين المناطق، يرى عبد الحي أنّ قلّة الحركة هي أحد أهداف الحكومة وسلطة الاحتلال، مبرّراً ذلك بالقول «كلّما قلّت الحركة قلّت عمليات العنف، وهذا أفضل شيء بالنسبة إليهم، بل قد يكون الأسوأ، لأنّهم بعد ذلك سيتقاتلون في ما بينهم داخل المنطقة الخضراء».
وعن الحالة الاقتصادية السيّئة، يقول المواطن أبو محمود، صاحب مولّد كهربائي كبير في حي ذي قار جنوبي بغداد، «اضطررت إلى إيقاف المولّد لسببين: أوّلاً لأنّ الحصول على الوقود بات صعباً جداً، وأسعاره خيالية، وثانياً لأنّ عدد المشتركين انخفض من مئة مشترك في الصيف الماضي، إلى أقل من عشرة، بسبب هجرة معظم العائلات».
ويتذكّر أبو محمود أنه قرأ أخيراً تصريحاً لوزير الكهرباء يقول فيه: «إنّ الوزارة استطاعت أن تصل إلى إنتاج طاقة كهربائية بمقدار خمسة آلاف و530 ميغاواط، ما يمثّل نصف الطاقة الكاملة التي يحتاج إليها العراق»، علماً أنّ جميع المعامل والشركات متوقّفة، وكذلك معظم الدوائر الحكومية، متسائلاً «أين تذهب الكهرباء لكي لا يبقى منها سوى أربع ساعات يومياً فقط، محصورة بالبغداديّين على وجه الخصوص؟». ويضيف «الغريب أن يلقي الوزير سبب عدم تزويد المواطنين بالكهرباء على الوضع الأمني المتردّي الذي يقولون أنّه تحسّن عندما يريدون من وراء هذا الكلام للدعاية السياسية التي تخدمهم، أو أنّه تردّى عندما يحاولون تبرير فشلهم».