موسكو ــ حبيب فوعاني
استقبلت موسكو، الأسبوع الماضي، الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان كـ«ضيف عزيز»؛ ففي البداية استقبله نظيره الروسي بالوكالة فالنتين سوبوليف، ثم النائب الأوّل لرئيس الوزراء سيرغي إيفانوف، قبل أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين.
ويعدّ اللقاء الثاني من نوعه بين بندر وبوتين، بعد لقائهما الأوّل في الربيع الماضي في مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ، حيث ألقى الرئيس الروسي خطابه الشهير عن العلم الجديد والرغبة الغربيّة بالسيطرة التامّة عليه.
وتزامنت هذه الزيارة مع زيارة وزير الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى الشرق الأوسط، التي ناقشت فيها مع المسؤولين العرب المبادرات الأميركية الأخيرة، وخصوصاً المؤتمر الدولي للسلام في المنطقة، الذي دعا إلى عقده الرئيس الأميركي جورج بوش، ووافقت السعودية على حضوره.
وبالطبع، فقد جسّ بندر نبض المسؤولين الروس حول الخطط الأميركية الجديدة، إلّا أنّه ناقش أيضاً، وفقاً للمحلّل في مركز «كارنيغي» في موسكو ألكسي مالاشينكو، موقف موسكو من حركة «حماس». ووفقاً لمصادر دبلوماسية، لا يريد المسؤول السعودي قطع الاتصالات معها، بل إنّه يرى أن الوقت ملائم لتطويعها و«انتشالها من الأحضان الإيرانية».
ووفقاً لمصادر مقرّبة من الزيارة، فقد اهتمّ الضيف السعودي بالأسلحة الروسية، وتطرّقت المباحثات إلى عقد صفقات توريد أسلحة، يستمرّ الحديث عنها منذ زيارة بوتين إلى الرياض في شباط الماضي، وتتضمّن دبابات «تي ــ 90»، إضافة إلى منظومات دفاع جويّة ومروحيّات «مي ــ 17»، وطائرات الشبح «ستيلث».
أمّا الموضوع الثاني الذي جرى البحث فيه خلال لقاء بوتين ـــ بندر، فهو مسألة إنشاء منظّمة للبلدان المصدّرة للغاز على غرار منظّمة الدول المصدّرة للنفط «أوبك». وكان الرئيس الروسي قد طرحها أثناء زيارته للرياض، حيث تؤكّد مصادر روسية أنّ الملك السعودي عبد الله عبّر عن استحسانه لها، أو على الأقلّ لم يعلن معارضته لها.
وتطمح موسكو إلى نيل تأييد الرياض، ولو بطريقة غير رسمية، في هذا الموضوع، ما سيكون إنجازاً جيو ـــ سياسياً كبيراً، بحسب صحيفة «غازيتا» الروسية، وتحقيقاً للحلم الروسي المنشود.
وبشكل عام، لا يستبعد المراقبون أن تكون زيارة بندر محاولة لإضفاء نوع من التوازن على السياسة الخارجية السعودية، ولا سيّما أنّ الجانب الأميركي أصبح يؤدي دوراً زائداً عن الحاجة في المملكة، ما ترك أثراً سيّئاً على صورتها في العالم الإسلامي، الذي لا يغمر قلوب مواطنيه الودّ للولايات المتحدة.
وربّما كان هناك هدف شخصي من الزيارة ومغازلة موسكو، وهو الحصول من الكرملين على دعم معنوي للأمير السعودي وتلميع صورته، التي تشوّهت بعدما اتّهمته صحيفة «غارديان» البريطانية منذ شهرين بتلقّي مليار يورو للمساعدة في توقيع صفقة «اليمامة» التسليحيّة بين لندن والرياض في عام 1985، والتي تتلقّى السعودية بموجبها 120 طائرة «تورنادو» وطائرات التدريب «هوك» بمبلغ 86 مليار دولار، وبدأت وزارة العدل الأميركية بعد ذلك تحقيقاتها حولها.
وبالنسبة لموسكو، فهي تضع عينها على بندر لكونه ابن ولي العهد السعودي المريض الأمير سلطان بن عبد العزيز، وربّما كانت تراودها الأحلام بأن يتولّى العرش خلفاً للملك الحالي، والتي بالمناسبة لا تثير أخبار صحّته قلق موسكو.
يُذكر أن الملك عبد الله زار موسكو في عام 2005، عندما كان ولياً للعهد. وذكرت صحيفة «كوميرسانت» حينها أنّ السعوديّين عرضوا استثمار 200 مليار دولار في الاقتصاد الروسي لمواجهة الضغوط الأميركية، التي اشتدّت على العائلة المالكة بعد أحداث 11 أيلول 2001، إلّا أنّ بوتين في ولايته الرئاسية الأولى لم يشأ إغضاب الأميركيين.