نيويورك ـ نزار عبود
الوضع في العراق يتدهور بسرعة، والإدارة الأميركية لم تعد قادرة حتى على تقليص خسائرها، ولم يعد ينفع إلقاء اللوم على الأطراف التي اعتادت تحميلها مسؤولية الفشل. بات إقحام الأمم المتحدة الطريق الأقصر لجعل الإخفاق في العراق همّاً دولياً. لذا من المنتظر أن يقرّ مجلس الأمن الدولي اليوم مشروع قرار جديد يمنح المنظّمة الدوليّة دوراً أكبر في بلاد الرافدين


تحت «مبدأ» قدرتها على مخاطبة جميع الدول التي لا تتحاور واشنطن معها، وأطراف المعارضة العراقية، سنية وشيعية وبعثية، إلى جانب قدرتها على تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة المهجرين وتضميد الجراح والنهوض بالاقتصاد، تكثّف الحديث في الفترة الأخيرة عن دور أكبر للأمم المتّحدة في «ترتيب» نسبي لفوضى الاحتلال، سيتبلور اليوم قراراً يجعل المنظّمة الدوليّة أكثر تورطاً في بلاد الرافدين.
وعبّر المندوب الأميركي إلى الأمم المتّحدة زلماي خليل زاد عن هذا الرهان بقوله للصحافة إنّ المرجع «آية الله علي السيستاني، الشخصية المؤثّرة في العراق، لم يتحدّث إلى ممثّلين عن الولايات المتحدة أو بريطانيا مباشرة، إلّا أنّه يحاور مبعوث الأمم المتحدة أشرف قاضي».
ولم يخف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حماسة لهذا المشروع؛ فبعد اجتماعه في واشنطن في 17 تمّوز الماضي بالرئيس الأميركي جورج بوش، وصف الوضع في العراق بأنّه «بات مشكلة للعالم بأكمله». وقال: «أنا مستعدّ للعمل مع الدول المعنية، سواء قوّات الاحتلال أو دول الجوار، لهذه الغاية».
وإزاء هذا التشخيص، نظر بوش إلى بان نظرة ملؤها الإعجاب. فلقد نال مراده تماماً. ها هو الأمين العام للأمم المتحدة ينبري لدور يحلم الرئيس الأميركي بتحميله إياه؛ فالمغريات المالية جميعها لم تعد تقنع أحداً بالتوجّه إلى العراق، سواء للترجمة أو لبناء الجسور، فما بالك بترقيع البنى السياسية والأمنية المفخخة.
ومن جهته، أعرب مساعد الأمين العام للشؤون السياسية، الأميركي لين باسكو، عن حماسته الشديدة للأمر، إذ إن القرار يمدّد عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق لمدّة سنة جديدة، مع منحها مهام سياسية وإنسانية إضافية. وقال بيسكو إنّ «التفويض واضح جداً في هذا القرار، كانت لدينا ولاية عمرها 3 سنوات، تحقّق الكثير منها، ويتركّز الجهد حالياً على جعل التفويض حديثاً بحيث يقترب من الأمور التي نعمل على تحقيقها».
بيد أنّ ما نسيه بان ومساعده هو أنّ سمعة الأمم المتحدة بكونها لاعباً سياسياً نزيهاً مجرّداً من الغايات، تلاشت منذ زمن بعيد؛ فالمنظمة الدولية بات يُنظر إليها في غير مكان على أنها مجرّد أداة في يد الدول الكبرى.
من المشاكل التي ستواجه عمل الأمم المتحدة في القرار الجديد المطروح، هي كيفية تأمين الحماية لنشاطها في وضع أمني يستهدف المدني البريء قبل المحارب. وفي هذا الشأن، قال زاد: «عندما تعطي تفويضاً جديداً، عليك التأكد من توفير الدعم اللوجستي اللازم. ولقد قلت لزملائي إنّ الولايات المتحدة مستعدّة لتنفيذ إلتزاماتها».
وبالنسبة إلى التنظيمات العراقية المختلفة، ذلك يعني أنّ الأمم المتحدة تحاول إصلاح ما أفسدته الولايات المتحدة بعد 4 سنوات من الاحتلال المدمر. وعندها قد يتعرّض موظفو المنظّمة الدوليّة، الذين سينضمون لـ 300 زميل دولي و393 زميلاً عربياً في العراق والجوار، لأعمال ثأرية واختطاف على غرار ما يجري في أفغانستان.
وأوضح زاد أنّ المشاورات مع الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن امتدّت لتشمل الحكومة العراقية ورئيسها نوري المالكي، وأنّه حصل على الدعم الكافي للقرار الجديد، بعد الاجتماع الذي جمعه بالمندوبين العرب في نيويورك أوّل من أمس.
وباستثناء المندوب العراقي حميد البياتي، وزميله السوري بشار الجعفري، أجاد المندوبون الآخرون الاستماع. وفيما أعرب البياتي عن تأييد الفكرة، ذكّر الجعفري بالموقف العربي المطالب أولاً بإجراء مصالحة عراقية التي يتطلّب إنجازها «إنشاء جيش وطني عراقي وإنهاء الميليشيات وإلغاء قانون اجتثاث البعث وتعديل الدستور، ووضع جدول زمني لانسحاب القوّات الأجنبية».
وفيما أكّد الجعفري، الذي شدّد على «ضرورة أن يكون دور الأمم المتحدة مستقلاً»، أنّ الحل في العراق سياسي وليس أمنياً، قال زاد إنّ الحكومة العراقية لا تطلب من القوّات الأميركية الانسحاب، وأيّده في ذلك البياتي، في ظلّ توافق الجميع على ضرورة أن تكون المقاربة عراقية وإقليمية ودولية.
وبعيد اجتماعات مجلس الأمن التشاورية، واجتماع السفراء العرب، عقدت نقابة موظّفي الأمم المتحدة، الذين يخشون من توريطهم في العراق، لقاءً كان في مقدمة جدول أعماله بند يعارض فكرة تولّي منظّمتهم دور أكبر في العراق خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.
ورغم الأوضاع المأساويّة في بلاد الرافدين، تتباهى الأمم المتحدة بنجاحات حقّقتها هناك مثل إشرافها على الانتخابات التشريعية وتقديم المشورة في وضع الدستور الجديد فضلاً عن الأدوار الإنسانية وتنظيم المؤتمرات الدولية الداعية إلى مساعدة العراق وشطب ديونه في إطار مبادرة «العهد الدولي».
مشروع القرار يركّز على القضايا الإنسانية والإصلاح السياسي والاقتصادي لكونها أهداف ينبغي تحقيقها في المرحلة المقبلة على يد قوات الأمم المتحدة إلى جانب قوّات الاحتلال، وتسهيل الحوار الإقليمي، بما في ذلك أمن الحدود وموضوع الطاقة.
إلّا أنّ مجرّد مشاركة الأمم المتحدة في العراق يمنح الاحتلال شرعية دولية رفض أمينها العام السابق كوفي أنان منحها له. ويبدو أنّ بان لا يتمتّع بشخصية سلفه؛ فقد برهنت الأشهر الماضية أنّه اختار الطريق الأسهل بالانصياع للإرادة الأميركية والحرص على تنفيذ برامجها متجاهلاً المفاجآت الكثيرة التي تحفل بها الرمال المتحرّكة في العراق.