السؤال الكبير في الأوساط السياسية الروسية اليوم ليس عن هوية من سيخلف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما يتطلّب منه الدستور الروسي التنحّي العام المقبل بعد ولايتين رئاسيّتين متتاليتين، بل هل يتخلّى بوتين نفسه عن العمل السياسي؟ الاستقالة نصف الإلزامية التي قدّمها وزير الخارجية الروسي السابق إيغور إيفانوف من منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي وإحلال بديل مؤقّت مكانه، مثّلا سبباً في الشكوك التي راودت المراقبين والعديد من المهتمين بسياسات الكرملين بأنّه يجري إعداد إيفانوف لخلافة بوتين.
وقلّة في موسكو فقط هم من يعتقدون أن بوتين على استعداد للتقاعد، ويرى الكثيرون أيضاً أنه سيعود إلى الرئاسة في عام 2012. وهناك تكهّّنات بأنّه خلال هذه الفترة الفاصلة، قد يتولّى رئاسة شركة «غازبروم» العملاقة أو غيرها من الهيئات التي ستعزّز تأثيره السياسي وقربه من مراكز القرار.
وقد يفي مجلس الأمن القومي بالغرض، على اعتبار أنه المركز الذي أوصله إلى السلطة أثناء عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين. فقد ألمحت مجلّة «موسكوفسكي نوفوستي» الأسبوعية إلى أنّ بوتين يحتاج «إلى بنية يمكنه الاعتماد عليها ولن تطعنه في الظهر» أثناء وجوده خارج السلطة الفعلية.
وساد هذا النوع من التكهّنات في واشنطن خلال الصيف الجاري، عندما أشار المستشار في الكرملين إيغور شوفالوف إلى أن «الحكمة التقليدية» في الغرب خاطئة؛ فليس ضرورياً أن تكون خلافة بوتين صراعاً بين نائبي الرئيس، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات («كاي جي بي» سابقاً) وزير الدفاع سيرغي إيفانوف ورئيس «غازبروم»، ديميتري ميدفيديف. وفي حديثه عن التنافس المفتوح على الخلافة، قال شوفالوف «تعلمون أن رئيسي قادر على إحداث مفاجأة أخرى، ربما في وقت لاحق من العام الجاري ستسمعون عن شخصية جديدة محتملة».
ظاهرياً، قد يكون ذلك صراعاً على السلطة بين إيفانوف المدافع عن النفوذ التقليدي للمؤسّسة الأمنية، وميدفيديف المدافع عن القوّة المدنية والاقتصادية الجديدة للامبراطورية الروسيّة العملاقة في مجال الطاقة. إلّا أنّ الفوارق البسيطة الواضحة بين المؤسّستين المدنية والأمنية لا تُرسم بسهولة في روسيا؛ فبوتين صمّم شخصياً مسيرة النمو لـ «غازبروم» في إطار خطته لتوسيع المؤسّسات العامّة، التي ارتفع نصيبها من الاقتصاد الكلّي هذا العام إلى 35 في المئة.
الواضح أنّ بوتين سيضمن وصول صديق يأتمنه إلى الرئاسة. ولهذا السبب أصبح اليوم احتمال وصول امرأة لقيادة روسيا للمرّة الأولى منذ الإمبراطورة كاترينا، واقعياً جداً من خلال حاكمة مسقط رأس بوتين في سانت بطرسبورغ، فالنتينا ماتفينكو.
ويقول المحلّل السياسي في مركز «كارنيغي» في موسكو أندريه ريابوف، إنّ ماتفينكو الوفية لبوتين والمقبولة من مختلف «فرقاء» الكرملين الذين ينحدرون بمعظمهم من سانت بطرسبورغ، هي «الشخصية الأنسب».
ومن بين المرشحين المحتملين لخلافة بوتين يبرز رئيس شركة سكك الحديد الوطنية، ثاني أكبر شركة في روسيا بعد «غازبروم»، فلاديمير ياكونين، وهو صديق شخصي للرئيس؛ إلى جانب سيرغي ناريشكين، الذي رقّاه بوتين إلى منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات الاقتصادية الخارجية. كذلك رئيس الشركة الرسمية لتصدير السلاح، «روزوبورونكسبورت»، سيرغي شيميزوف، والموفد الخاص لبوتين إلى شمال القوقاز ديميتري كوزاك، من المرشحين المحتملين أيضاً.
لا أحد يعرف حقيقة ما يفكّر به بوتين، إلّا أنّه يبدو مصمّماً على ضمان استمرارية النخبة القادمة من سانت بطرسبورغ ونخبة ضباط الـ«كاي جي بي» السابقين الذين وصلوا إلى السلطة معه، المعروفة باسم «سيلوفيكي».
وإلى جانب الرئيس السابق لموظفي الرئاسة ألكسندر فولوشين، والملياردير الموثوق رومان أبراموفيتش، سيبقى على الأرجح هؤلاء المقرّبون من بوتين في مراكز السلطة والقرار بعد تنحّيه عن الرئاسة، حتى إن ولاءهم مضمون لدرجة أنهم قد يستميتون في سبيل ضمان إعادة بوتين إلى الكرملين في عام 2012.
حالياً، جميع هذه الخيارات بين يدي بوتين، بصفته رئيساً قوياً يحظى بنسبة تأييد ساحقة بين الروس تبلغ 78 في المئة، ولأن له سمعة قائد أعاد إلى روسيا فخرها وعزّتها واحترامها الذاتي، وأعاد بناء الاقتصاد على صهوة ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.
(يو بي آي)