صرفت السلطة الفلسطينية أمس، للمرة الأولى منذ أكثر من عام، رواتب الموظفين في القطاع العام كاملة، الذين اعتادوا طوال الأشهر الماضية تلقي أجزاء من رواتبهم، ما أدى إلى تراكم مستحقّات كبيرة لهم لدى خزينة السلطة.وابتسم الفلسطيني عزام براهمة (45 عاماً)، وهو يضع راتبه في جيبه كاملاً، بعدما أخرجه من الصراف الآلي، وسرعان ما انتقل تفكيره إلى كيفية توزيع هذا الراتب لتسديد الالتزامات والديون، التي تراكمت منذ أكثر من عام.
وقال براهمة، لوكالة «فرانس برس»، من أمام إحدى ماكينات الصرف الآلي في رام الله: «طبعاً أنا سعيد لأنني تلقيت راتبي كاملاً».
ويعيل براهمة، الذي يعمل موظفاً في وزارة الاقتصاد، أربعة أبناء وزوجة، إضافة إلى اثنين من أبناء أخيه ووالدته. وقال: «مشكلتنا لن تحل بدفع الرواتب كاملة، لأننا لا نزال نعاني بسبب استحقاقات متراكمة سابقة لم تدفع لنا، لذلك تراكمت علينا ديون كثيرة».
وبدت الابتسامة كذلك على وجه جاسر السباعي (51 عاماً)، وهو يضع راتبه (1600 شيكل) في جيبه، إلا أن الانزعاج عاد إليه حين تذكّر فاتورة الكهرباء وديون صاحب محل البقالة.
وقال السباعي: «طوال الأشهر الماضية وأنا أعيش بالدين، وتراكم علي الآن أكثر من 15 ألف شيكل، لشركة الكهرباء ولصاحب محل البقالة الذي كنت أشتري منه بالدين».
ويعيل السباعي، الذي يعمل في وزارة الزراعة، ثلاثة أبناء وزوجة، وهو يأمل أن تواصل حكومة الطوارئ صرف الرواتب كاملة بداية كل شهر. وقال: «الآن أول ما أفكر فيه هو دفع شيء من فاتورة الكهرباء، وشيء آخر لصاحب محل البقالة، وشراء شيء للأولاد».
ولم تحصل ربى حمد (28 عاماً) على راتبها بعدما تفقّدت الصراف الآلي، إلا أنها قالت: «أنا متأكدة من أن راتبي سيصبح جاهزاً عند الظهيرة مثل آخرين». وهي تعمل في وزارة الشباب والرياضة، وهي متزوجة من رجل أمن. وقالت إنها وزوجها عاشا حياة «تقشّف وتقنين طوال الأشهر الماضية بسبب قلة الرواتب».
وأضافت حمد: «نحن بحاجة إلى أشهر أخرى كي نتمكن من العودة إلى الحياة بشكل طبيعي، لأن الكثير تراكم علينا». وأشارت إلى أن صاحب البيت الذي يسكنون فيه يطالبهم بأكثر من عشرة آلاف شيكل بدل إيجار تراكم خلال أكثر من عام.
ونشرت صحيفة «الأيام» الفلسطينية أمس، على صدر صفحتها الرئيسية، رسماً كاريكاتورياً يظهر صورة البقال واللحام وصاحب البيت وبائع الخضار وهم يقفون أمام منزل أحد الموظفين بعد تلقيه راتبه، ويقولون له: «جئنا نهنئك بسلامة الغياب».
وفي غزة، اصطف عشرات العمال في الصباح أمام المصارف، إلا أن كثيرين منهم لم يحصلوا على رواتبهم نتيجة قرار حكومة الطوارئ إلغاء التوظيفات التي جرت في عهد حكومة «حماس»، كما حرمت الموظفين المقربين من الحركة رواتبهم.
وذكرت مصادر رفيعة المستوى في مكتب رئيس حكومة الطوارئ سلام فياض أن 19 ألف عامل وظفتهم «حماس» لم يحصلوا على أجورهم. وأضافت أنه جرى استثناء أيضاً نحو 12 ألف موظف من «فتح» ومن فصائل أخرى، إذ جرى تعيينهم بعدما وصلت «حماس» إلى السلطة عام 2005.
ومن بين من لم تشملهم كشوف رواتب فياض أيضاً نحو ستة آلاف عضو في القوة التنفيذية التابعة لـ«حماس»، التي أدت دوراً أساسياً في القتال وإلحاق الهزيمة بحركة «فتح» في غزة.
إلا أن محمد نجم، الذي يعمل في الشرطة منذ عام 2002، قال: «أنا إلى هذه اللحظة لم اتسلم شيئاً. نحن التزمنا قرارات الرئيس محمود عباس ولم نداوم. هناك كثير من الشباب قرروا إذا لم يتسلموا رواتبهم أن يعملوا مع حركة حماس». وأضاف: «أنا رأيت أكثر من 15 عنصراً من القوة التنفيذية يتسلمون رواتب، فيما نحن لم نتسلم شيئاً. إن لم أتسلم راتبي اليوم فسأنتقل للعمل مع التنفيذية».
وقال المتحدث باسم حركة «حماس» سامي أبو زهري، لوكالة «فرانس برس»، إن «قرار حكومة فياض، وهو حرمان الآلاف من الموظفين من تسلم رواتبهم بسبب انتماءات سياسية يمثل تكريساً للفصل السياسي والجغرافي بين أبناء الشعب الفلسطيني». وأضاف: «إنها محاولة لاستخدام المال الفلسطيني للابتزاز السياسي، وهذه خطوة مرفوضة لأن هذه الأموال عبارة عن أموال الضرائب المحتجزة عند الاحتلال، وهي حق لكل مواطن فلسطيني، وستعبر الحركة والموظفون المحرومون عن رفضهم بكل الوسائل بما يحفظ لهم حقهم».
وفي مؤتمر صحافي في رام الله، أعلن فياض أن نسبة التزام الموظفين المدنيين والعسكريين بقرارات حكومة الطوارئ وصلت إلى 97 في المئة. وقال: «إن ألف موظف حكومي استثنوا من صرف الرواتب هذا اليوم، بينهم 300 موظف مدني و 700 موظف عسكري».
(أ ف ب، رويترز، د ب أ، يو بي آي)