حيفا ــ فراس خطيب
إسرائيل تخشى التاريخ والجغرافيا، فممنوع على فلسطينيي 48 تعلّم تاريخ قضيتهم رسمياً في المناهج الدراسية، إذ إن مجرّد ذكر لكلمة «النكبة» في كتاب جغرافيا أثار ذعر اليمين من تحوّلات مستقبلية


أثار قرار وزيرة المعارف الإسرائيلية، يولي تامير (العمل)، المصادقة على كتاب تعليمي للصف الثالث في المدارس العربية يذكر كلمة «النكبة» وقضية اللاجئين، ردود فعل صاخبة من اليمين الإسرائيلي الذي طالب رئيس الحكومة إيهود أولمرت بإقالتها نظراً لسعيها إلى «تربية طابور خامس».
في المقابل، قال اختصاصيون تربويون وأكاديميون من فلسطينيي 48، لـ«الأخبار»، إنّ الكتاب «لا يجدد كثيراً، ويعرض الرواية الصهيونية كاملة»، متسائلين «لا نعرف ما هو سبب الزوبعة؟». وشدّدوا على أن الكتاب يعرض «جزءاً بسيطاً ومنقوصاً من الرواية الفلسطينية لما حصل في عام 1948».
وأثيرت الضجة على كتاب جغرافيا تحت عنوان «أن نعيش معاً في إسرائيل»، نشره «مركز التكنولوجيا التربوية» ذكر فيه تعابير «نكبة» و«لاجئين». ولعلّ أكثر ما أثار زوبعة اليمين هو الفقرة الآتية: «مع نهاية الحرب عام 1948، انتصر اليهود على العرب ووقّعت اتفاقيات لوقف إطلاق النار بين دولة إسرائيل وجاراتها. العرب يطلقون على تلك الحرب نكبة، أي مصيبة كبيرة. بينما يطلق عليها اليهود حرب الاستقلال».
ووصف خالد أبو عصبة، مدير معهد «مسار» للأبحاث والتخطيط والاستشارة التربوية، في حديث لـ«الأخبار»، ما يجري بـ«صراع بين اليمين واليسار الإسرائيليين»، مضيفاً أنّه من مجمل استعراضه للكتاب «لم يشاهد نقاطاً انقلابية»، وأنّ كل ما يجدده الكتاب هو ثلاث نقاط كتبت مختصرة وغير دقيقة وهي «تعبير النكبة، وقضية مصادرة الأراضي بشكل غير دقيق ووجود لاجئين».
وشدد أبو عصبة على أنّ الكتاب «يعرض الرواية الإسرائيلية كاملة وينشر أيضاً في مجمل استعراضه للقضية وثيقة الاستقلال». وأشار إلى أن الكتاب «لا يعرض توازناً ولا بأي حال من الأحوال». لكنه رأى «أن إثارة الموضوع هي نقطة إيجابية».
وكانت الأحزاب اليمينية، كعادتها في مثل هذه المواقف وحتى قبل الاطلاع على مضامين الكتاب، قد شنّت هجوماً عليه. وقال رئيس حزب المفدال، عضو الكنيست زبولون أورليف، إنّ على رئيس الوزراء إقالة وزيرة المعارف، واصفًا قرارها بأنه «مناهض للصهيونية، ولا يعترف بإسرائيل على أنها دولة يهودية».
كما اتهم أورليف تامير بأنّها «تعطي الشرعية للعرب بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل على أنّها دولة الشعب اليهودي»، معتبراً «يوم اتخاذ مثل هذا القرار (المصادقة على الكتاب) هو بمثابة يوم النكبة لجهاز التعليم الإسرائيلي».
وقالت وزير المعارف السابقة في حكومة آرييل شارون، ليمور ليفنات (ليكود)، إن القرار خطير للغاية «عندما نعلّم التلاميذ في الوسط العربي أنّ اليهود طردوهم من بيوتهم، وأن إقامة دولة إسرائيلية كانت مصيبة. من شأن هؤلاء أن يستنتجوا بأنّ عليهم الخروج إلى مواجهة مسلحة ضد دولة إسرائيل». وأضافت «ستكون النتيجة أننا، وبفضل من وزارة المعارف، نربي طابوراً خامساً».
بدوره، قال عضو الكنيست اليميني، تسفي هندل، إنه سيقترح مشروع قانون «أن من يعتبر يوم الاستقلال الإسرائيلي يوم نكبة سيكون بمثابة تنازل عن مواطنته»، مهاجماً وزيرة المعارف بقوله «عليها أن تكون رئيسة حركة السلام الآن».
في المقابل، قال النائب عن حركة التجمّع الديموقراطي، جمال زحالقة، إن «ذلك بمثابة عاصفة في فنجان، فالحديث هو عن خطوة صغيرة منقوصة، وحتى مشوّهة». ورأى أن الجديد هو أن كلمة «نكبة» تذكر في برامج التعليم، في حين أن المطلوب حقاً هو حكم ذاتي ثقافي لفلسطينيي 48 بحيث «نضع في هذا الإطار برامج التعليم بكل ما يخص تاريخنا وحضارتنا وميراثنا الثقافي، ونمارس حقنا في التربية الوطنية إسوة بشعوب العالم».
وأضاف زحالقة «نعرف أن إسرائيل غير ناضجة وبعيدة كل البعد عن إحداث مثل هذا التغيير، بسبب هيمنة الأيديولوجيات الصهيونية والفزع من الرواية الفلسطينية، الأمر الذي يفسر ردود الفعل الهستيرية على هذه الخطوة المحدودة».
وقال رئيس كتلة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة البرلمانية، النائب محمد بركة، إن «نكبة الشعب الفلسطيني ليست مجرد مصطلح وتسمية مرادفة لما جرى في عام 1948، بل هي تاريخ وحاضر للشعب الفلسطيني»، مضيفاً أنه «من حيث المبدأ، فإن هذه خطوة إيجابية، لكنها تبقى محدودة، وذلك لأن هذا قرار وزاري قد يتغير لاحقاً مع وصول وزير آخر، كما جرت العادة، والأمر الثاني مثل هذا القرار، وإن بقي من دون مضمون وسرد حقيقي لما جرى ويجري، فإنه يبقى مجرد مصطلح».
الرواية الفلسطينية مخفية
الرواية الفلسطينية معدومة في المنهاج التعليمي للطلاب العرب في مناطق فلسطين 48. فهم يكتسبونها من المجتمع والأهل والأحزاب السياسية ومن أطر تدريسية لا منهجية. وهو بحد ذاته صراع يعاني منه فلسطينيو 48.
كانت هناك محاولات ممتدة على مدى عشرات السنوات لتغيير المنهاج التعليمي، إلا أنّها باءت بالفشل. أقيمت لجان عديدة لبحث هذه القضية لكن من دون فائدة، وظل الطالب الفلسطيني يدرس الرواية الإسرائيلية في المدارس ويقدم الامتحانات بها عنوة.
في عام 2000، قدّم وزير المعارف امنون روبينشطاين (ميرتس) اقتراح قانون، جاء في البند الحادي عشر منه أنه «يحق للطالب العربي أن يتعلم وفق مرجعيته الثقافية وانتمائه الجماعي»، إلا أنه لم يواكب بأي مسارات لتفعيله.
ولم يكتف اليمين الإسرائيلي بعدم تغيير المنهاج، بل عمل على تعزيز الرؤية الصهيونية داخل المدارس العربية. وألزمت ليفنات تدريس مئة مصطلح عن الصهيونية في المدارس الإعدادية العربية لإجراء الامتحانات بها.
وقرّر أكاديميون عرب وبعض الجمعيات الأهلية العمل على إصدار مئة مصطلح عن القضية الفلسطينية لتدريسها في المناهج، لكن طبعاً لم تدخل هذه المصطلحات إلى المدرسة نظراً لمعارضة وزارة المعارف.