strong> معمر عطوي
لم تكن نتيجة الانتخابات الرئاسية الهندية، أول من أمس، بعيدة عن تأثيرات العامل الديني في بلد مشحون بالنزاعات الطائفية (هندوس وسيخ ومسلمون) رغم دستوره العلماني، ذلك أن كرسي الرئاسة انتقلت من العالم النووي المسلم أبو بكر زين العابدين عبد الكلام إلى حاكمة ولاية راجاستان الشمالية، براتيبها باتيل (72 عاماً)، التي سبق لها أن تحدّت مشاعر المسلمين عبر انتقادها للحجاب، وادعّت لنفسها «بركات» اكتسبتها نتيجة مخاطبتها لروح أحد مؤسسي المذاهب الهندوسية.
ورغم معارضة قادة الجالية الإسلامية، التي تشكل 14 في المئة من عدد سكان الهند (1.1 مليار نسمة)، لترشيح باتيل لكونها «تتعمد إهانة الإسلام»، استطاعت مرشحة التحالف التقدمي المتحد الحاكم أن تصبح المرأة الأولى التي تتسلم سدة الرئاسة، بعد فوزها على منافسها مرشح التحالف الديموقراطي الوطني المعارض، نائب الرئيس بهايرون سينغ شيخوات (84 عاماً)، بحصولها على 66 في المئة من أصوات الهيئة الناخبة المؤلفة من نواب في البرلمان الوطني والبرلمانات المحلية.
لكن إشكالية الرئيسة الهندية الجديدة، التي ترتدي اللباس الهندوسي المحتشم الذي لا يتميز كثيراً عن حجاب المسلمات، هي أنها قد فتحت في وقت سابق أبواب الجدل الحاد، عندما وجهت انتقادات حادة للنقاب الإسلامي وقالت إنه زي «همجي بدائي متخلف».
ويبدو أن التحالف الحاكم بقيادة رئيسة حزب المؤتمر، صونيا غاندي، قد عزّز من خلال دعمه لباتيل هذا الجدل، الذي قد يحيي العنف الطائفي في البلاد، ولا سيما بعدما وصف التحالف تصريحات الرئيسة حول النقاب بأنها “تعبّر عن رأيها الذي تراه ينطبق على نساء الهند كافة بصفة عامة”، في حين رأت غاندي أن وصول امرأة إلى سدة الرئاسة سيساهم في مكافحة التمييز الذي تعاني منه النساء في الهند.
ولعل باتيل استطاعت أن تتفوق على رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي، حتى لو كان منصب الرئاسة في الهند فخرياً، ذلك أن فوزها أتى بعد تعرضها لانتقادات لاذعة خلال الحملة الانتخابية بسبب اتهامها بالمحسوبية وسوء الإدارة المالية والتستر على شقيقها الذي اشتبه بتورطه في عملية قتل، وعلى زوجها الذي اشتبه بتورطه في فضيحة وعملية انتحار.
وظهر واضحاً أن أبرز أسباب هذا الفوز هو الدعم السياسي الكبير الذي قدمته أحزاب التحالف التقدمي المتحد بقيادة حزب المؤتمر العريق، الذي أسسه المهاتما غاندي، إضافة إلى جبهة اليسار والأحزاب العلمانية الأخرى.
وكانت باتيل، التي تؤدي القسَم بعد غد الاربعاء، قد تنقّلت بين العديد من المناصب الوزارية الهامة في ولاية ماهاراشترا، مسقط رأسها، كما انتخبت عضواً في البرلمان ونائب رئيس مجلس الشيوخ.
لكن المفارقة الأهم في فوز باتيل، التي تحتل أيضاً منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هي ادعاؤها في وقت سابق أنها أجرت اتصالاً مع روح الكاهن بابا ليخراج، مؤسس مذهب «هيندو براهما كوماريس»، أحد المذاهب الحديثة للديانة الهندوسية، الذي توفي في عام 1969، بعدما دخلت «روح ليخراج جسد إحدى مريداته». ووصفت باتيل الأمر بأنه مؤشر سماوي يفيد بأن مسؤولية أكبر ستسند إليها، ما جعل أنصارها يصدقون «بركات» بابا ليخراج، التي جعلتها مرشحة للرئاسة وتحقق فوزاً «إلهياً» بامتياز.