واشنطن ــ محمد سعيد
تحذيرات من سباق تسلّح تفرضه «لعبة الهروب إلى الأمام»


أثار عدد من أعضاء لجان العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، خلال اجتماعات مغلقة مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، الأسبوع الماضي، موضوع استخدام الحكومة الأميركية «التهديد الإيراني في الشرق الأوسط» لتبرير مبيعات الأسلحة إلى السعودية ومصر وإسرائيل، في إطار رزم المساعدات وصفقات التسليح البالغة قيمتها الإجماليّة 63 مليار دولار، وهو ما شدّد عليه خبراء ومحلّلون حذروا من سباق تسلح في المنطقة تفرضه «لعبة الهروب إلى الأمام».
وقد استبق عدد كبير من أعضاء مجلس النوّاب الأميركي من الديموقراطيّين والجمهوريّين بحث الصفقة بطرح مشروع قرار لوقف بيع أسلحة أميركيّة متطوّرة إلى السعودية. وبرّروا موقفهم، في مؤتمر صحافي أمس، بالادعاء بأن المملكة ليست حليفة للولايات المتّحدة والعراق كما أنها ليست حليفة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأنّها تقف إلى جانب حركة «حماس» وتموّلها.
وقال النائب أنطوني واينر إنّ «تسليح دولة لا تزال في حالة حرب مع إسرائيل ليس مناسباً»، في إشارة إلى السعوديّة. وأضاف: إنّ الادّعاء بأنّ الأسلحة هي دفاعية ليس أكثر من أسطورة، مشيراً إلى أنّ «كل الأسلحة في نهاية المطاف تستخدم أيضاً للهجوم».
ويبدو أنّ العديد من أعضاء الكونغرس ينوون تبنّي نهج الانتظار لرؤية ما سيحدث، حتّى طرح الصفقات على الإقرار في الـ«كابيتول هيل» في الخريف المقبل. وأعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جوزف بايدن ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النوّاب توم لانتوس، وهما المعنيّان بمناقشة صفقات ومبيعات الأسلحة لدول أجنبية، أوّل من أمس، أنّهما سيحتفظان بحكمهما بشأن مدى جدارة تنفيذ تلك الخطة وذلك إلى حين عودة الكونغرس من عطلته الصيفية.
وفي ما يتعلّق باحتمال نشوب صراع بين البيت الأبيض والكونغرس حول الصفقات، أوضح لانتوس أنّ أعضاء الكونغرس يريدون الحصول على تعهّدات بأنّ صفقات الأسلحة تشمل أنظمة دفاعية فقط وليست أسلحة قد تستخدم لمهاجمة إسرائيل.
وأعربت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، في حديث للصحافيّين خلال توجّهها إلى القاهرة، أمس، عن ثقتها فى إقناع الكونغرس بهذه الصفقات، وذلك بعد أن تعهّد عدد من أعضائه بعرقلة تقديم أسلحة حديثة إلى السعودية ودول الخليج بسبب مزاعم عن عدم تعاونها في تحقيق الاستقرار فى العراق ودعمها للجماعات السنية فيه.
ولا شكّ أنّ المستفيد الأبرز من هذه الصفقات العسكرية هي شركات صناعة الأسلحة الأميركية التي سيُعهد لها بإنتاج أنظمة التسلّح. ومن أبرز هذه الشركات «بوينغ» و«مارتن لوكيهد» و«ريثيون» و«جنرال دايناميكس» و«نورثروب» التي أكدت الإثنين الماضي أنّ أرباحها تتصاعد بسبب الحرب التي تشنّها الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان، وهو ما انعكس ارتفاعاً في أسعار أسهمها في بورصة نيويورك.
من ناحية أخرى، رأى عدد من الخبراء أنّ الولايات المتحدة تجازف من خلال صفقات التسليح الجديدة، بالتسبّب بسباق تسلّح في المنطقة.
وأوضح رئيس تحرير مجلة «الدفاع والأمن الدوليّان» الفرنسية، جوزف أنروتان، أنّ فشل المشروع الأميركي حول «الشرق الأوسط الكبير»، والذي تأكّد مع «خسارة المعركة في العراق» يرغم واشنطن على «السعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر توزيع مساعدة عسكرية في جميع الاتجاهات».
وفي شأن «التهديد الاستراتيجي» الإيراني، أوضح الخبير البلجيكي أنّ الأميركيين يساعدون السعوديين لتشكيل قوة توازن في مواجهته من خلال صفقات التسليح، إلّا أنّه شدّد على أنّ هدف واشنطن المباشر هو في الواقع «ردع الرياض عن تقديم المساعدة سراًَ إلى السنّة المتطرفين للتصدّي لإيران حليفة سوريا وحزب الله الشيعي اللبناني، لأن هؤلاء المتطرفين قد يتحوّلون أيضاً ضدّ الولايات المتحدة».
وحول تعزيز واشنطن الترسانة العسكريّة الإسرائيليّة لتهدئة مخاوف الدولة العبرية في كلّ مرة تتلقى فيها دول عربية عتاداً أميركياً متطوراً و«لتهدئة اندفاع الإيرانيين لاقتناء ترسانة نووية»، أقرّ أنروتان بأنّ «ذلك أصبح لعبة توازن معقّدة، ونوعاً من الهروب إلى الأمام، حيث تساعد الولايات المتحدة جميع حلفائها في وقت واحد أملاً بألّا ينقلب بعضهم على الآخر».
ولفت المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في «المعهد الملكي للدراسات» في لندن، كريستوفر بانغ، إلى أنّ «الولايات المتحدة قد لجأت في السابق إلى تكتيك تسليح أولئك الذين تأمل في أن يتصدّوا لتهديد إقليمي»، تسبّبه الجمهورية الإسلاميّة حالياً بحسب التصنيف الأميركي، إلّا أنّه أوضح أنّ الخطر «يتمثّل بالطبع في إثارة سباق تسلح».
وتشاطر بانغ تخوّفه المسؤولة عن الدراسات في «مجموعة الأبحاث والمعلومات حول السلام والأمن» في بروكسل كارولين بيل، التي قالت إنّه «في منطقة حيث ثروات الطاقة تعدّ رهاناً مهماً، من الخطورة دوماً إمداد بعض اللاعبين بالأسلحة»، موضحةً أنّه «بسبب عدم استقرار الأنظمة، فإنّ ذلك قد يتحوّل يوماً ضدّ الأميركيين».