باريس ــ بسّام الطيارة
أعطى الناخبون الفرنسيون حزب رئيسهم الجديد نيكولا ساركوزي، «شيكاً، لكن ليس على بياض»، كما كان يتمنّى، وأوصلوا إلى البرلمان أكثرية نسبية مع تراجع لعدد نواب حزب الأكثرية اليميني «تجمع الحركة الشعبية»، إذ تشير أول الأرقام، إلى أن حزب الرئيس قد يحجز نحو ٣٢٨، مقارنة بـ ٣٥٩ نائباً في البرلمان المنتهية ولايته، بينما سيزيد الحزب الاشتراكي نوابه من ١٤٩ إلى نحو ٢٠٠ نائب.
وعلى وقع خسارة معركته النيابية في بوردو، أعلن وزير الطاقة والبيئة رئيس الحكومة الأسبق آلان جوبيه، المصنف نائباً للرئيس، استقالته من الحكومة.
ومن الأرقام التي أُعلنت، حصول الحزب الشيوعي على ١٥ مقعداً، وحزب الوسط على ٣ مقاعد، بينما تراجعت حصّة «الخضر» إلى ٣ مقاعد فقط.
ويمكن القول إن النتيجة تُظهر الممانعة الأولى من الناخب الفرنسي لتوجهات هيمنة «الساركوزية»، فجاءت الأرقام أكثر تعبيراً والتصاقاً بأرقام الانتخابات الرئاسية، ولو كان النظام الانتخابي في «التشريعية»، هو نفسه الذي يُعتَمَد في «الرئاسية»، لكانت النتائج أعطت اليسار نسباً أعلى من تلك التي حقّقها أمس.
واللافت في الدورة الانتخابية، كانت المشاركة الشعبية الضعيفة، مقارنة مع الدور الأول، والهزيلة مقارنة بالانتخابات الرئاسية، ولكن نوعية المعتكفين عن التصويت اختلفت عن الدورة الأولى، فغاب الناخب اليميني هذه المرة، واستطاع اليسار تعبئة جمهوره، وهذا ما يفسّر «المفاجأة النسبية» في النتائج.
ويُعيد المراقبون تراجع المشاركة واعتكاف ناخبي اليمين، إلى اطمئنان الناخب اليميني مسبقاً إلى فوز مرشّحيه، بينما عملت رويال ورفاقها في معسكر اليسار، على التحذير من هذه الموجة وإمكان غياب معارضة جدية عن البرلمان.
ورغم المعركة الطاحنة التي كانت تدور داخل «آلة» الحزب الاشتراكي، وخسارة الاشتراكيين ومعهم كل فريق اليسار، وخصوصاً الحزب الشيوعي في الدورة الأولى، فإن «رمز المعارضة» الوحيد الذي لم تنعكس صورته في «مرآة الخسارة»، بقي اسم سيغولين رويال. التي لم تترشّح، بل اكتفت بدعم الكثير من محازبيها، والمشاركة في العديد من المهرجانات الانتخابية.
وقد يساعد هذا الأمر، توجّهات قاعدة الحزب التي بدأت تتململ وتطالب بـ«تسليم الحزب لرويال»، وهذا ما يفسّر تقرّب القيادي في الحزب الاشتراكي، دومينيك شتروس ـ كان منها في اليومين الأخيرين، بينما تتحدث بعض المصادر عن إمكان انشقاق قسم من الاشتراكيين من تيّار لوران فابيوس، لتأسيس حزب يساري شبيه بأحزاب اليسار الأوروبية، التي ترغب بالتميّز عن الاشتراكية الديموقراطية.
وعلى الرغم من أنّ النتائج جاءت على غير ما كان يتوقعه اليمين، فإنّ ذلك لا يمنع من التسليم بأن ساركوزي يمتلك اليوم غالبية تسمح له بالحكم. ومن هنا يبقى التساؤل حول «هذه القوة» التي سمحت للرئيس بحصد كل النقاط وعلى كل اللوائح.
يتّفق الجميع على أنّ نجاح ساركوزي في الانتخابات الرئاسية، شكّل محرّكاً لحزبه في الانتخابات النيابية، وأن سبب هذه الظاهرة يعود إلى التغيّر الكبير الذي طرأ على المجتمع الفرنسي، وهو ما لم تتنبّه له بشكل كاف، بقية القوى السياسية، وخصوصاً الرئيس السابق جاك شيراك، الذي اعتقد أن ساركوزي «سوف يفشل لأنه لا يفهم فرنسا».
وكان قسم كبير من المنتمين إلى «الساركوزية»، يعتبر بأنّ ما كان يقوم به «ساركو»، هفوات مميتة قد لا يغفرها له الشعب الفرنسي، فتبين لاحقاً أنهم لم يفهموا ما ترغبه أكثرية كبيرة من شعب «فرنسا الجديدة». فبدا أنّ مفاخرة الرئيس بصداقته مع الأغنياء وظهوره معهم في صور حفلات اجتماعية خاصة، لم «تسئ إلى صورته» لدى الشعب. وكذلك الأمر بالنسبة لطروحاته حول تخفيف الضرائب ودعم الطبقة الغنية وخصوصاً شعاره «إعمل أكثر، تربح أكثر». وفيما كان «كلاسيكيو السياسة الفرنسية»، ينبّهون إلى ضرورة مراعاة «الشعور الاجتماعي الفرنسي»، كان ساركوزي يسخر ويقول إنّ المجتمع تغيّر.
ويفسّر بعض الخبراء «حدس» ساركوزي، بأنه لحق وراء التحوّلات في «مجتمع يعمل ولكنه يعيش في أزمة اقتصادية خانقة»، ويودّ في الوقت نفسه، تحسين ظروفه لأنه واثق من قدرته على «مجاراة الاقتصاديات الأنكلوسكسونية» الغنية. ويشير هؤلاء إلى أن ٤٥ في المئة من الفرنسيين، بات يملك حساباً في البورصة، وأن ما يزيد على ٥٦ في المئة منهم، مستعدون للعمل أكثر، في حال تأكّدهم من أن هذا يسمح بأن يرفع من مستوى مداخيلهم ورفاهيتهم.
وقد ربح ساركوزي رهانه حين استطاع أن «يغلّف هذه الطروحات الليبرالية بقالب فرنسي»، قبل أن يرميها في معمعة الجدال الذي رافق الحملة الرئاسية، في الوقت الذي كان خصومه يجيبون من خلال «قاموس» سياسي واجتماعي كلاسيكيين.
أخيراً، يمكن اعتبار الانتخابات الرئاسية والنيابية الأخيرتين، نقطة مفصلية في الحياة السياسية الفرنسية، تنذر بأن تدور التطوّرات المقبلة، بين قوتين رئيسيتين، حزب الرئيس «تجمع الحركة الشعبية»، وحزب اشتراكي جديد بقيادة رويال.