strong>باريس ــ بسّام الطيارة
لــوبن يدعــو إلى عدم التصــويت... ومرشّحــة اليسار أكثــر المستــفيدين

بعد مئة سنة على منع الثورة الفرنسية «للمبارزة» التي كانت الرياضة المفضلة لدى النبلاء، والتي كانت تنتهي بمقتل أحد المتبارزين، انتظر الفرنسيون، بالشهية والحشرية القاتلة نفسها التي كانت تدفع بأسلافهم إلى التحلّق حول المتبارزين، مناظرة المرشحين للرئاسة الفرنسية، سيغولين رويال ونيكولا ساركوزي.
وقدر عدد الذين تحلقوا حول التلفزيون لمشاهدة «الضربة القاضية» بـ ٢٤ مليون مشاهد، وهو رقم قياسي جديد.
منذ أول لحظات المناظرة، بدا للجميع أن ساركوزي قد استعد نفسياً كي لا تظهر «فظاظته»، وحاول الابتعاد عن الصدام مع رويال، التي بدت كما يعرفها الجميع، «ملساء» لا تؤثر فيها محاولات حشرها في مواضيع اقتصادية، فقد ظلت خلال المناظرة مبتسمة، وإن بدا عليها بعض علامات التوتّر في بداية اللقاء، قبل أن تهدأ مع بدء «التناحر» حول أهداف الرئاسة من النواحي الاجتماعية.
ومن خلال متابعة المناظرة، بدأت تتكشف تفاصيل الاتفاق الذي قاد إليها: فقد خاب أمل المشاهدين الذين انتظروا بشغف متابعة تشنجات عضلات وجه ساركوزي أو حركات أيدي رويال المحتدة، إلا أن أياً من «علات المرشحين» لم تظهر على الشاشة؛ فقد «كبل الاتفاق المسبق حركات الكاميرا» وحدد وجهاتها اللقطات الثانوية، التي وجهت إلى المرشح الذي يصغي، فيما كانت مشاهد القطع أو المشاهد الثانوية لمتكلم محددة مسبقاً، وحسب زوايا معينة.
فلا عصبيّة ساركوزي الشهيرة عبّأت الشاشة، ولا نظرة رويال الباردة ثقبتها. غابت عن المتابعين حركات فكي مرشح اليمين عندما يتشنج من شدة الغضب، كما غابت علامات ضجر رويال عندما يتكلم محدثها. لم توجه الكاميرات نحو أرجليهما، فقد رفض ساركوزي أن يظهر «كعبه البالغ ٨ سنتيمتر»، فيما طالب فريق رويال بعدم «تخفيف حدة ألوان» وجه المرشحة كما هو العادة بالنسبة إلى النساء في مقابل عدم تشديد ألوان وجه خصمها.
وتبادل المرشحان، طوال المناظرة، الاتهامات: ركز ساركوزي على حكم فرانسوا ميتران، وهو عاد لذلك حتى عام ١٩٩٢، ولم يشدد كثيراً على حكم ليونيل جوسبان، لأن جاك شيراك كان رئيساً للجمهورية. وقد ردت عليه رويال مرات تذكره «باننا في عام ٢٠٠٧»، مركزة على كونه «مرشح الحكومة المنتهية ولايتها».
من الصعب جداً تحديد الرابح والخاسر في هذه المبارزة التلفزيونية، بانتظار حكم المشاهدين والتأثير على مواقف الناخبين التي ستظهر استطلاعات الرأي في الـ 24 المقبلة. إلا أنه يمكن الجزم بأن رويال، التي دخلت من موقع المنافس للرجل القوي الذي وصل أولاً في الدورة الأولى، أثبتت أنها قادرة على مواجهة هذا الرجل المشهور بقوة حجته وقوة طباعه، وهو ما يمكن أن يشكّل نقاطاً قوية في صالحها، وخصوصاً أن كثيرين كانوا يشكّون في قدرتها على الوصول إلى هذه المرحلة.
وكان جان ماري لوبن قد امتنع، خلال مهرجان أول من أمس، عن الدعوة إلى التصويت لرويال اليسارية؛ فكثير من ناخبيه لن يفهم هذا التوجه. إلا أنه بامتناعه عن «الدعوة صراحة إلى منع اليسار من الوصول»، يكون قد أشار إلى رغبته بـ«إسقاط نيكولا ساركوزي»، مطالباً مؤيديه، في الوقت نفسه، بـ«الاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة».
ويشير معظم المراقبين إلى أنه «لا مصلحة بتاتاً للوبن بوصول ساركوزي» الذي «سرق كل شعارات لوبن» إلى الحكم. وقد اتهم لوبن صراحة ساركوزي «بالسطو على أفكاره».
ومن البديهي أن تكون رويال هي المستفيدة الأولى من هذا التوجيه السلبي، فالذين يمكن أن يصوتوا «بشكل طبيعي لليمين» قد صوتوا في الدورة الأولى لساركوزي، وهذا ما يفسر الـ٣١ في المئة من الأصوات التي حصل عليها.
إنما يوجد بعض من ناخبي لوبن الذين يوافقون زعيمهم على أن «وصول ساركوزي للحكم يعلن نهاية الجبهة الوطنية»، ويذهبون أبعد منه إذ لم يتردد البعض من البوح أمام كاميرات التلفزيون بأنهم يستعدون للتصويت لسيغولين بهدف «إسقاط ساركوزي».
ومن المؤكد أن خطاب لوبن قد أراح المرشحة اليسارية قبل دخولها إلى مهرجانها في ملعب «شارلتي» حيث انتظرها «ضعف الجمهور» الذي حضر مهرجان ساركوزي قبل يومين وقدرته بعض المصادر المستقلة بـ ٦٠ ألفاً، بينما يقول الحزب الاشتراكي إنه بلغ ٨٠ ألفاً.
وقد ذكّر مهرجان رويال الفرنسيين باحتفال كأس العالم عام ١٩٩٨، الذي حصل في الملعب نفسه. ويقول معظم المراقبين إن فريق رويال سجل نقطة ذهبية باختياره هذا الملعب الذي له أثر كبير في مخيلة الباريسيين. وقد ساعدهم ساركوزي حين هاجم ثورة أيار ١٩٦٨، إذ إن الاحتفال بانتصار «ثورة الشباب» تم في هذا الملعب بالذات عشية توقيع اتفاق بين «ديغول والمشاغبين»، المسمى اتفاق «غرونيل»، الذي أشرف عليه موظف في وزارة الداخلية اسمه جاك شيراك.