strong>وائل عبد الفتاح
زفاف جمال مبارك، نجل الرئيس المصري حسني مبارك، اليوم في شرم الشيخ. الأوساط المصرية منشغلة بالحفل، والاختلاف حول مدلولاته واضح، ولا سيما تزامنه مع حضور ممثلي أكثر من ستين دولة لمؤتمر جوار العراق. لكنه بالتأكيد ليس زواجاً عادياً لرجل تثار حول مستقبله الكثير من التساؤلات

  • زفــاف جمــال مبــارك اليــوم: تعميــد «وليّ العهــد» أم قــران «رجــل عــادي»؟

    شرم الشيخ خالية من الناس العاديين اليوم. الأمن قرر، كعادته، إخلاء المنتجع الشهير من كل العمالة المصرية قبل شهر من حدث الموسم: زواج جمال مبارك وخديجة الجمال. ورغم أن ماكينات الدعاية في الحزب الوطني الحاكم تقول إنه مجرد زواج رجل عادي في الثالثة والأربعين بشقراء تصغره بعشرين سنة، إلا أن الواقع مختلف. فالزواج هو حديث المجتمع في جلسات النميمة و«الاجتماعات السياسية» على المقاهي وفي سهرات مجتمع الأثرياء الجدد والقدامى، وفي عناوين الصحف، إضافة إلى أنه في مقدّم جدول أعمال الأجهزة الأمنية.
    إنه زواج ابن الرئيس، الذي يعدّ، في نظر المعارضة، المرشح الوحيد لخلافته، بعدما أخلى الملعب من المنافسين وانتظر المتفرجون أن يسجل الهدف في شبكة من دون حراس.
    علاء ليس كجمال
    الأكيد أن جمال ليس ابناً عادياً للرئيس، فشقيقه الأكبر علاء، وفي عز طغيان اسمه على كل المشروعات الاقتصادية في مصر طوال عقد التسعينات، لم يتحوّل خبر زواجه إلى أكثر من مناسبة اجتماعية، ولم يعرف الشعب اسم زوجته هايدي إلا أخيراً عندما ظهرت في بعض المناسبات الرياضية. وغالباً لتكذّب شائعة ارتدائها الحجاب استجابة لنصائح نجم الدعاة الجدد عمرو خالد.
    ولم يتحوّل علاء إلى أكثر من هدف للشائعات. ولم تظهر صوره كل يوم في الصحف، ولم يتجوّل كمسؤول كبير في الدولة، كما يفعل الشقيق الأصغر جمال. كما لم يتحوّل إلى مرشح للرئاسة، وبالتحديد لخلافة أبيه، رغم كل القصص الخيالية التي اعتبرت علاء مبارك شريكاً، وله نصيب وحصّة في كل المشاريع الجديدة والقديمة.
    لم يسكن علاء تحت الأضواء كما حدث مع جمال. ولم يرتبط بأكبر عملية سياسية تشغل مصر في السنوات الأخيرة، تسميها المعارضة: التوريث. ويسميها الحزب الحاكم: مجرد صعود عادي لعضو في الحزب الحاكم يتمتع بالطموح ويقود «كتيبة» الفكر الجديد في حزب تكوّن في السلطة ولم يعرف له فكر قديم سوى المهارة في السيطرة عليها، وتكوين منتخب للمنتفعين بالقرب منها، وتربية «ديناصورات متوحشة» تنهش من يقترب من الكرسي العالي.
    من الطبيعي، في الظروف هذه، أن يتحوّل زواج جمال مبارك من خبر في الصفحات الاجتماعية إلى قمة اهتمام الصحافة والإعلام والناس. وأن تطغى أخبار العروسين وتفاصيل حفل الزفاف على كل ما يحدث في لحظة تحوّل خطيرة، يتم فيها تحويل مجرى القانون والدستور في مصر.
    الخيال الشعبي
    الزواج «الرئاسي» صنع منه الخيال الشعبي زواجاً «ملكياً». واعتبرت المعارضة أنه الخطوة الأخيرة باتجاه تعميد «وليّ عهد» الجمهورية.
    وشغلت تفاصيل التحضيرات للزفاف الرأي العام المصري، بدءاً من شراء فستان الزفاف من باريس، والذي تقول «بورصة المعارضة» إنه كلّف 27 ألف دولار، ومتابعة مكان شقة الزوجية واسم مصمم خاتم الزواج، الذي كلّف 9 آلاف دولار، بحسب «البورصة» نفسها.
    ومن يتابع اهتمامات الناس في مصر سيتأكّد أن التحوّل في حياة جمال مبارك من أشهر عازب إلى «عريس الدولة»، كما وصفته قصيدة هجاء سياسي شهيرة للشاعر أحمد فؤاد نجم، كان أهم من تحوّلات المجتمع والسياسة في مصراهتمت الصحافة المعارضة بمتابعة التفاصيل الصغيرة، وألهبت خيال الجمهور الكبير بصور من ألف ليلة وليلة منتظرة. وعلى الصعيد الآخر، أعلنت بعض حركات الاحتجاج مثل «كفاية» أنها ستنظم بدءاً من اليوم تظاهرات للمناسبة تعيد إعلان رفض «التوريث»، كما طالب تحالف آخر للمعارضة اسمه «تقوى»، تقوده جماعة الإخوان المسلمين، بإطفاء أنوار البيوت يوم الزفاف، الذى يوافق مرور 40 يوماً على إقرار التعديلات الدستورية، التي «أظلمت» الحياة السياسية وأعادتها إلى عصور ما قبل الديموقراطية.
    هناك وجهة نظر أخرى ترى أن الاهتمام المبالغ فيه بزواج «الوريث»، هو تعبير عن عجز ما لدى المعارضة، التي ليس لديها سوى «رد الفعل» و«الشتم»، وهي كلها وسائل أفادت جمال مبارك وجعلت صورته مألوفة.
    عقد القران
    رؤساء أحزاب المعارضة كانوا ضمن قائمة 400 ضيف على حفل عقد قران جمال مبارك في دار القوات الجوية في القاهرة. كان الرئيس حسني مبارك في استقبالهم، فهذا هو أحد أماكنه المفضلة، إضافة إلى أنه علامة على النصف العسكري من الرئيس.
    لم يحضر صحافي واحد الحفل، لكن ما تسرّب من تفاصيل أفادت بأن العقد الرسمي كتبه شيخ الأزهر سيد طنطاوي. والأطعمة خفيفة ولا مشروبات كحولية. تصرّف مبارك في الحفل كوالد عريس عادي، صافح الجميع وبدت عليه فرحة الآباء التقليدية. التفصيلة المثيرة الوحيدة كانت فستان العروس، الذي قيل إنه من تصميم اللبناني إيلي صعب، ولونه «البيج» غير معتاد في تلك الحفلات.
    الزفاف اليوم
    اليوم سيكون الحفل العائلي في شرم الشيخ، المكان المفضل للرئيس الذي يقضى فيه معظم أوقات العام. وهو أيضاً المكان الذي يحب الرئيس الانتماء إليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
    وكان مثيراً للدهشة اختيار موعد الزفاف في اليوم والمكان نفسهما لانعقاد المؤتمر الدولي عن العراق. وهو تزامن أثار التساؤلات عما إذا كان رغبة في السيطرة مرة واحدة على المدينة، أم رغبة في مشاركة ضيوف دوليين في الحفل، كما شارك وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في حفل زفاف إحدى بنات الرئيس الراحل أنور السادات، أم هو «تعميد» سياسي للإبن على منصة قضية ساخنة.
    الموعد أيضاً هو هدية الإبن للأب. فيوم الزفاف هو يوم عيد ميلاد الرئيس. وهي عادة توحي بدلالات أقرب إلى طقوس العائلات الحاكمة.
    شرم الشيخ هي أيضاً «جزيرة أثرياء» العصر الجديد، والمكان الذي التقى فيه جمال وخديجة، كما تقول رواية عن اللقاء الذي تمّ في قرية «فاسيندا»، التي يملكها محمود الجمال، والد خديجة.
    السلطة والثروة
    اللقاء تم بين الثروة والسلطة. وجمع بين جيلين مختلفين. ولم يعرف هل هي قصة حب عادية أم رغبات تقليدية لعائلة تبحث عن عروس مناسبة لإبن تأخّر في سن الزواج.. هذا يؤثّر على مستقبله السياسي.
    ورغم أن تفاصيل وصور الخطيبين انتقلت على استحياء في الفترة الأولى إلى الصفحات الأولى. لكن، فجأة ظهرت خديجة في الصفوف الأولى في مؤتمر دافوس الاقتصادي الذي كان في شرم الشيخ أيضاً.
    خديجة ظهرت كفتاة عصرية بملابس لطيفة خارج الموديلات التقليدية لزوجات رجال الحكم. وبدت كأنها في تدريب على دورها المقبل. وذكرت بما فعله أمين فهيم، السكرتير الشهير للملك فاروق، حين قام بتدريب ناريمان، ابنة الطبقة الوسطى العادية، على بروتوكولات القصور الملكية. لكن خديجة تدربت بأسلوب العصر الجديد في عالم الأعمال، وبجوار رجال يجهزون لحكم مصر.
    خديجة لم تكن بعيدة عن عالمها، الذي تعمل فيه مع والدها بعد حصولها على شهادة إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية. والمعروف أن والدها مقاول شهير في بناء القرى السياحية. بدأ حياته مالكاً لشركة دجلة للمقاولات، وقام بتشييد سلسلة أبراج، ثم أنشأ شركة «صن ست»، المتخصصة في بناء الفيلّات والقصور الصغيرة.
    ورغم أن مبارك، في الغالب، لم يتدخّل في اختيار زوجة ابنه، وهي ميزة يشترك فيها مع الرئيس عبد الناصر، إلا أن الإبن، وعلى طريقة رئيس آخر هو السادات، اختار الاقتران برموز من أثرياء العصر الحديث. إنه زواج طبيعي بين الثروة والسلطة، كما كانت زيجات بنات السادات هي «تشبيك» علاقات بين عائلة الرئيس مع 3 أجيال من الرأسمالية في مصر.
    وزواج جمال مبارك هنا هو تأكيد على أن مسألة «الخلافة» ليست مجرد رغبة عائلية في انتقال السلطة من الأب إلى الإبن، لكنها ترتبط بقصة أكثر اتساعاً، وهي بحث النظام المصري عن دعم من طبقة الرأسمالية المصرية.
    بناءً على ذلك، فجمال مبارك هو «الرجل المناسب»، فهو «ابن الرئيس»، أي الأبن المخلص للبيروقراطية الحاكمة، لكنه في الوقت نفسه درس إدارة الأعمال فى الجامعة الأميركية وعمل في المجال المالي في بريطانيا، لذلك فهو قريب من رجال الأعمال. وهو أيضاً «يجسد في شخصه تحوّل البيروقراطية من طبقة تدير الأصول الاقتصادية للمجتمع إلى طبقة مالكة لها. وهذا التحول يتم من خلال الأبناء».
    هذا يعني باختصار أن البيروقراطية الحاكمة تنجب رجال أعمال، وهي بذلك تحوّل «الموارد السياسية التي تحتكرها (علاقات ونفوذ وسلطات) إلى موارد اقتصادية (قروض وصفقات ورؤوس أموال)».
    لكن رجال الأعمال الذين تنجبهم السلطة نوع خطير، فهم يملكون المال ويحتكرون السلطة. وهذا يفسّر أهمية جمال مبارك بالنسبة لطبقة رجال الأعمال الصاعدة. فهو يطمئنهم إلى أن النخبة الحاكمة لن تخلّ بالتوازن، ولا تزال تمسك ببعض الأوراق، وأهمها السيطرة على المصارف. هذه أهم أدوات نظام مبارك للتحكم في رجال الأعمال. «فالقروض تمنح لذوي العلاقات الوثيقة بالنظام. والمصارف العامة قادرة على الكثير: فهي قادرة على رفع رجال أعمال إلى السماء، كما إنها قادرة على أن تسقطهم إلى الأرض».
    الملاحظة المثيرة هي أن زواج جمال مبارك من الجيل الجديد، الذي يراهن عليه منذ تحوّله من موظف في مصرف في لندن إلى «مشروع سياسي»، سبقته خطوات أكبر، أولها تصعيد زملاء له على رأس المصارف المصرية، ودفع رجال الأعمال الجدد إلى واجهة الحزب الحاكم، وإزاحة الجيل القديم من رجال الأعمال إلى ما يشبه «دار المسنّين». وهذه أكبر عملية تحول في مصر.
    حفل زواج جمال مبارك هو مزيج من رغبات الإبن في الإعلان عن صيغة جديدة للسلطة في مصر. ورغبات الأب في حفل بسيط وتكتم شديد على كل تفاصيل الحياة، وهي عادات كانت أقوى فى السنوات الأولى لحكم مبارك، عندما عاقب رئيس تحرير صحيفة حكومية نشرت موضوعاً عن قرينته. رفض كان أقرب إلى طبيعة ريفية محافظة. لكن التغيرات جعلت صور كل عائلة الرئيس حاضرة بشكل يثير أحزاب المعارضة، لأن هذا الحضور يعكس اتساعاً في الدور والمكانة غير معهود في العهود السابقة.


    «جيمي وديجا»اللي ينقط بوزارة واللي ينقط بشركة قطاع عام واللي ينقط بمصنع وحتى اللي عاوز ينقط بقرية سياحية صغننة مافيش مانع. وقدم السبت تلاقي الحد والحدق يفهم
    بروجرام الحفل: مارشات عسكرية وقرآن، استعراض راقص للأمن المركزي، استعراض كاراتيه، ألعاب نارية من الرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع. فقرة للراقصة الوطنية سنية تحرش. مشروبات الحفل بيبر سبراي ومية مجاري.
    وزارة الداخلية ترحب بالضيوف لقضاء ليلة على بورش خمس نجوم. الانتقالات على حساب معسكر الدراسة للأمن المركزي في سيارات ترحيلات جديدة لانج بفلوس المعونة الأميركية».