باريس ــ بسّام الطيارة
ساركوزي إلى بروكسل اليوم لـ«إعادة إحياء البناء الأوروبي»


انتظر جميع المراقبين أن يكون ملف دارفور في مقدمة اهتمامات الوزير الجديد للشؤون الخارجية والأوروبية في فرنسا برنار كوشنر، قبل أن ينفجر الوضع في لبنان ليضع الملف اللبناني في سلم الأولويات للدبلوماسية الفرنسية.
وكانت وزارة الخارجيّة الفرنسيّة أو الـ «كي دورسيه»، قد وزّعت بياناً عن «الاتّصال الأوّل» بين كوشنر ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي جرى الأحد الماضي، وتضمّن تشديد الوزير الفرنسي على مواقف باريس «التي تؤكّد على سيادة لبنان واستقلاله» واستعلامه عن الوضع و«خصوصاً ما يدور في طرابلس» وتجديده «تضامن باريس مع السلطات اللبنانية وثقتها بقدرتها على إعادة الأمن في هذه المنطقة اللبنانية». وبعد شجبه لتفجير الأشرفية، تطرّق كوشنر، بحسب البيان، إلى «تعلّق فرنسا بإنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي» بشأن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
إلّا أنّ تسارع الأحداث في اليومين الأخيرين، بعدما ارتفعت حدّة الاشتباكات والعنف بين قوّات الجيش والأمن اللبنانيّة ومنظّمة «فتح الإسلام» في مخيّم نهر البارد والتفجير في منطقة فردان أوّل من أمس، دفع وزارة الخارجية الفرنسية إلى إصدار بيان ثان أمس «يشجب بشدّة الاعتداء الذي ضرب بيروت» ويدعو اللبنانيين إلى «البقاء موحّدين خلف سلطات الدولة» لصدّ محاولات زعزعة الاستقرار في لبنان.
ولوحظ أنّ البيان، الذي أعاد التذكير بمسألة المحكمة الدولية والمفاوضات الجارية في نيويورك وشدد على أنّ المجتمع الدولي «مصمّم على عدم الرضوخ لمحاولات التخويف»، تجاهل بالكامل ذكر معاناة المدنيّين العالقين بين الجيش اللبناني والمسلّحين، رغم أنّ مشاهد هذه المعاناة كانت قد بدأت تغزو شاشات التلفزيون الفرنسي وسط دعوات بعض المنظمات الإنسانية إلى فتح ممرّات للمساعدات الانسانية.
وفي ردّ على سؤال لـ«الأخبار» عن غياب أيّ إشارة لمصير المدنيين في داخل المخيم، قال المتحدث الرسمي باسم الوزارة، جان ــــ باتيست ماتيي، «إنّنا من حيث المبدأ ندعم إعادة فرض النظام من جانب السلطات اللبنانية»، قبل أن يستطرد قائلاً «لكنّنا ندعو أيضاً للانتباه لمصير السكان المدنيّين».
وكان ماتيي قد أكّد في بداية مؤتمره الصحافي الأسبوعي أمس أنّ بلاده «مستعدّة لمساعدة اللبنانيين في مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار»، رابطاً ذلك بطلب من الحكومة اللبنانية، في معرض ردّه على سؤال عن «استعداد فرنسا للتدخل لوقف الاشتباكات بين فتح الإسلام والجيش اللبناني». إلّا أنه رفض تحديد نوعية هذه المساعدة، وما إذا كانت عسكرية أم لا.
وأشار ماتيي إلى أنّ المجتمع الدولي يدرس إمكان مساعدة لبنان، وأنّ مشاورات تجري حالياً في مجلس الأمن الدولي حيث «يمكن اتخاذ موقف لدعم لبنان إذا رأت السلطات اللبنانية ضرورة لذلك في هذه المرحلة».
وفيما ربطت بعض المصادر الفرنسية بين «اندلاع المواجهات ومراحل تنفيذ القرار ١٧٠١ الذي ينصّ على نزع سلاح كل الميليشيات»، أشار ماتيي، رغم تأكيده على أن القرارين ١٧٠١ و١٥٥٩ ينصّان على نزع هذا السلاح، إلى تفضيل فرنسا أن «يتمّ ذلك ضمن إطار سياسي»، موضحاً أنّ الخيار «ليس بين الاستقرار ومطلب تحقيق العدالة بل هو الاثنان معاً»، مشدّداً على ضرورة «مساعدة ودعم لبنان وتحقيق العدالة من خلال إنشاء المحكمة».
وامتنع ماتيي عن التعليق على اتهامات بعض القوى اللبنانية لسوريا بالوقوف وراء «فتح الإسلام»، وذكر بأنّ بلاده «أخذت علماً بنفي وزير خارجية سوريا وليد المعلّم لهذه الاتهامات».
وتقول بعض المصادر الدبلوماسيّة في باريس إنّه مع وصول الملفّ اللبناني الملتهب إلى يديه، يواجه كوشنر، الذي اشتهر بدفاعه عن المدنيين خلال النزاعات المسلّحة، المأزق الأوّل من حيث الاختيار بين سياسة باريس المعلنة، الداعمة للسلطات اللبنانية ولبسط نفوذها، وهو ما أكّده الوزير بتصريحين خلال يومين، وبين ضرورة الأخذ بالاعتبار الظروف المأساوية لسكان المخيم الواقعين بين مطرقة الجيش اللبناني وسندان مسلّحي «فتح الإسلام».
وعلى صعيد أزمة مختلفة تطرح على بساط بحث العهد الجديد، يتوجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليوم إلى بروكسل، للمرة الأولى منذ تسلّمه مهماته في 16 أيّار الجاري، بهدف «إعادة إحياء البناء الأوروبي» والدفاع عن مشروع دستور أوروبي مبسّط تثير شكوك بعض الدول.
وسيدافع ساركوزي أمام رئيس المفوّضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو، عن هذا المشروع الذي يأمل أن يبصر النور بحلول موعد القمّة الأوروبية الشهر المقبل.