strong>موسكو ــ حبيب فوعاني
تتفاعل المواجهة بين موسكو وواشنطن، منذ خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 10 شباط 2007 في مؤتمر ميونيخ الأمني، وانتقاده الولايات المتحدة «لخطواتها الأحادية الجانب وغير الشرعية على الصعيد الدولي واستخدام القوة المفرط والجامح» والاستخفاف بأطراف المجتمع الدولي الأخرى بما فيها موسكو

عادت العلاقات الأميركية ـ الروسية من جديد إلى خشبة مسرح السياسة العالمية، وخصوصاً بسبب نية واشنطن نشر أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ في تشيكيا وبولندا، التي أثارت ردود فعل كثيرة، بحيث تساءل عديدون «ألم تنبعث الحرب الباردة من جديد؟»، ولا سيما أن المواجهة يمكن أن تتطور إلى مستوى جديد من التصاعد بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها نشر عناصر هذه المنظومة ما وراء القوقاز.
وكان مدير وكالة الدفاع الأميركية المضادة للصواريخ، الجنرال هنري أوبيرينغ، قد أعلن مساء الخميس في مقر قيادة حلف شمال الأطلسي في بروكسيل عن العزم على نصب رادار ملحق بأنظمة الدفاع المضادة للصواريخ في منطقة ما وراء القوقاز يمكن نشره في يومين، رغم أن واشنطن لم تقرر بعد أين سيُنصب هذا الرادار بالضبط.
لكن صحيفة «كوميرسانت» الروسية رأت أن «ذلك يعني أن من الممكن، بحدود عام 2011، أن يظهر الرادار الأميركي السيار في جورجيا أو أذربيجان، اللتين تحافظان على علاقات وثيقة مع واشنطن»، ولا سيما أن وزارة دفاع أرمينيا، حليفة موسكو الأخيرة في منطقة ما وراء القوقاز، نفت الجمعة بوضوح إمكان التعاون مع واشنطن في شؤون الدفاع المضاد للصواريخ.
وبعد ذلك حاول الجنرال الأميركي طمأنة موسكو بالتأكيد على أن الرادار موجه ضد إيران، وأنه لا يمكن توجيهه نحو روسيا، وحتى إذا تم توجيهه، فإن الرادار لن يستطيع كشف الأراضي الروسية لبعدها الشاسع عنه، وبالتالي لن يستطيع اكتشاف إطلاق الصواريخ الروسية.
وفي الوقت نفسه، نوهت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية بأن التوضيحات الصادرة عن الأميركيين والمؤكدة أن نصب العناصر المضادة للصواريخ بمحاذاة الحدود الروسية مرتبط بصد الصواريخ الباليستية الإيرانية والكورية الشمالية ليست أكثر من «حجة واهيةويرى العسكريون الروس أن الهدف الحقيقي لهذا المشروع هو إنشاء مخفر أمامي أميركي للاعتراض المحتمل للصواريخ الروسية في بداية مرحلة طيرانها، ما ينتهك توازن الأسلحة الاستراتيجية بين البلدين.
وبحسب الصحيفة، ما يعزز شكوك موسكو هو تصريحات العسكريين الأميركيين، التي عَدّت أخيراً روسيا من بين الأعداء المحتملين للولايات المتحدة. وكذلك تصريحات المشرعين الأميركيين حول تخوفاتهم من تعزيز القدرات الدفاعية الروسية وحول مشكلات الديموقراطية الروسية.
وعلى أي حال، فقد كان تصريح الجنرال أوبيرينغ أول اعتراف رسمي بأن واشنطن لن تكتفي بنصب مواقع الدفاع ضد الصواريخ في أوروبا الشرقية.
وتعتقد صحيفة «كوميرسانت» أن واشنطن لن تكتفي كما يبدو أيضاً بنشر منظومات الصواريخ المضادة في منطقة ما وراء القوقاز من الفضاء السوفياتي السابق، فقد أورد نائب وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الأمن جون رود الخميس في واشنطن، أوكرانيا في عداد «الدول المنخرطة في مساعي بناء أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ».
وأضافت الصحيفة أن وزارة الخارجية الأميركية ضمت بذلك أوكرانيا رسمياً، وللمرة الأولى إلى لائحة الدول التي تتعاون معها واشنطن بشكل وثيق حول هذه المنظومات.
وإذا كانت حكومتا بولندا وتشيكيا تنويان تنفيذ الخطة الأميركية من دون طرحها على الاستفتاء الشعبي العام، فمن المتوقع أن يثير احتمال نشر منظومة الدفاع المضادة للصواريخ في أوكرانيا تصادماً جديّاً في المجتمع الأوكراني المنشق على نفسه.
فقد أعلن رئيس الوزراء الأوكراني الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش أن «أوكرانيا لم تـُجْرِ أي مفاوضات مع الحكومة الأميركية بشأن نشر منظومات الدفاع المضادة للصواريخ ولا تبحث في إمكان إجراء هذه المفاوضات».
وتقدمت الكتلة الشيوعية في البرلمان الأوكراني بمشروع قرار في 2 آذار الجاري، يؤيد موقف رئيس الوزراء، ويؤكد عدم توافق نشر هذه الأنظمة على الأراضي الأوكرانية مع مصالح أوكرانيا القومية، ويقترح على لجنة الشؤون الدولية في البرلمان توجيه رسالة إلى بولندا وتشيكيا تعبّر عن القلق لنصب هذه المنظومات في هذين البلدين المجاورين لأوكرانيا.
أما القيادة الروسية، التي تغيظها خطوات الإدارة الأميركية، فقد ألمحت إلى أن «الرد الملائم» على الخطة الأميركية جاهز لديها. وصرح القائد السابق لوحدة أسلحة الدمار الشامل في وزارة الدفاع الجنرال فلاديمير دفوركين، لصحيفة «ترود» الروسية، بأن «خطر الصواريخ الإيرانية قائم وجدي تماماً، لذلك فمن وجهة النظر التقنية، إن الخطوات الاستباقية من جانب واشنطن يمكن أن تكون مبررة.
ويعتقد مدير الفرع الروسي للمركز الأميركي للمعلومات الدفاعية إيفان سافرانتشوك «بأننا قريبون جداً من سباق تسلّح جديد، حيث لا يثق كل جانب بالجانب الآخر، فمن ناحية ترد روسيا على نصب مكونات منظومة الدفاع المضادة للصواريخ، ومن ناحية أخرى ترد واشنطن على الرد الروسي».
إلى ذلك، اتخذت المفاوضات الروسية ـ السورية السرية المستمرة منذ نهاية العام الماضي حول تزويد دمشق الأسلحة منحى جديداً، واتخذت بعداً خاصاً في ضوء العلاقات الأميركية ـ الروسية المتوترة. إذ أكدت مصادر دبلوماسية عربية في موسكو، لـ«الأخبار»، إمكان موافقة موسكو المبدئية على تزويد دمشق منظومات «خريزانتيما» (الأقحوان) الصاروخية المضادة للدبابات. ورفضت هذه المصادر تأكيد حجم هذه الصفقة أو ظروفها.
وتعتبر هذه المنظومة الصاروخية وريثة لمنظومات «كورنيت»، التي كانت تجري المفاوضات بشأنها بين دمشق وموسكو، والتي أثبتت فاعليتها في العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان. وتعتبر منظومات «الأقحوان» من أفتك الأسلحة الصاروخية من الجيل الجديد المضادة للدبابات مهما بلغ حجم تدريعها وتجهيزها الإلكتروني، ويمكن استخدامها أيضاً لتدمير التحصينات والمخابئ.