حاوره وائل عبد الفتاحتصوير أحمد حماد

يبدو عنوان مثل نهاية «الإخوان» مثيراً للتأمل، فالجماعة تعيش الآن واحدة من أزماتها الكبرى، بعد انتهاء فترة العسل بينها وبين نظام الرئيس حسني مبارك. فهل ستنتهي الجماعة فعلاً؟ وأي أفق أمامها؟ أسئلة كان من الضروري أن يجيب عنها المرشد العام محمد مهدي عاكف، الذي بدأ مقابلته مع «الأخبار» بالقول إنه يسأل كل يوم: «من شتمنا اليوم؟»


  • هل الشتائم دليل قوة «الإخوان»؟
    ـ طبعاً. إذا لم أكن قوياً والناس معي، فلن يحتاج أحد إلى شتمي.

  • لكن هناك دلائل قوة أخرى غائبة، فالإخوان استسلموا تماماً كما يبدو لضربات الأمن الأخيرة.
    ـ نحن قوة سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية. نحن لا نطلب من أحد شيئاً. ولا نستعين بأحد. ولا نقبل من أحد مالاً. نحن أقوياء في كل شيء، بإيماننا وأخلاقنا وتنظيمنا، برجالنا ونسائنا وأطفالنا. أطفال الإخوان يقومون بعمل ممتاز على الإنترنت. نحن قوم نعتز بما نحمل من رسالة. أما هذه الأفعال غير العقلانية وغير القانونية وغير الأخلاقية فمصيرها إلى نهاية. لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يدوم باطل. كلنا إلى نهاية، أنا سأموت وهو سيموت، ولن يبقى إلا الحق، ولن يبقى إلا الشعب.

  • تتكلم عن نهاية. نهاية الإخوان أم نهاية النظام؟
    ـ لا النظام ولا الإخوان. مصر بلد عريق. النظام يمكن أن يتغير، لكن ستستمر مصر وتبقى مؤسسات الدولة. صحيح أنها فاسدة، لكن مهمتنا إصلاحها لا هدمها. لا نفعل كما فعل بول بريمر عندما هدم مؤسسات العراق وأصبحت فوضى. والنظام صاحب العقلية الفردية الأحادية الاستبدادية مصيره إما النهاية أو يغيّر نفسه. لا يمكن شيئاً أن يدوم. ستسألني ولماذا يدوم «الإخوان»؟ سأقول لك لأننا أصحاب منهج ورسالة متجذرَين في الشعب.

  • هل «إخوان» الآن، مثل «إخوان» حسن البنا؟
    ـ التنظيم الآن أقوى من أيام حسن البنا. كان عندنا أيام الأستاذ حسن البنا 200 أستاذ جامعة، الآن عندنا 2500 أستاذ. في تلك الأيام، كانت القاهرة خُمس مساحتها الحالية، وكان لدينا 105 شعب، نحن محرومون منها الآن. لذلك قلت لهم اجعلوا الشعب يختار بيننا وبينكم، إذا كانوا أناساً عندهم فكر ورأي ومنهج وأصحاب حزب فليتركوا الشعب حكماً بيننا.

  • من تقصد بتعبير الناس: الحكومة أو النظام أو المعارضة أيضاً؟
    ـ الحكومة التابعة للنظام، وحتى الآن هم لا يعرفون هل هي حكومة الحزب أو حزب الحكومة، وعندما يعرفون سأرد عليك.

  • هل لا تزال أفكارهم أو تصوراتهم كما هي من أيام حسن البنا؟
    ـ لم يتغير خطاب الإخوان من حيث القيم والمبادئ والأصول، يمكن أن يتغير الأسلوب حسب الزمن. عندما أريد إفهام الناس الآن لا بد أن يتغير أسلوبي.

  • التغيير من أجل الوصول إلى الحكم؟
    ـ الإخوان قوة إسلامية تحمل الدين بجماله وشموله. الحكم آخر شيء. نريد أن يفهم الناس الإسلام ويحافظوا عليه، لذلك حسن البنا كان يقول بتربية الفرد والمجتمع.

  • تحدث كما لو لم تكن تنظيماً سياسياً؟
    ـ نحن تنظيم سياسي واجتماعي واقتصادي ورياضي وثقافي وعلمي. هيئة إسلامية جامعة باختصار.

  • لكنْ لديكم نموذج لنظام الحكم.
    ـ لدينا نظام حكم إسلامي يقدّس الشورى والحرية. لقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً. ونقدس العدل والحق والمساواة. هذا ديننا. نحن تنظيم له رؤية إسلامية. نحن لسنا الجماعة الإسلامية التي تحتكر الإسلام. نحن جماعة من جماعات الإسلام.

  • ما هو أقرب حزب أو نظام حكم في التجارب التي تحققت في الواقع بالنسبة إليكم؟
    ـ لم يوجد حتى اليوم أي نظام حكم على الساحة العربية قريب من نظرية الحكم فى الإخوان. لا حزب الرفاه في تركيا، ولا نظام الحكم في السعودية أو السودان أو طالبان أو إيران. لنا منهجية خاصة ورؤية خاصة للإسلام وحكم الإسلام نستمده من سيرة الرسول والقيم والمبادئ الإسلامية التي وضعها القرآن والسنة.

  • أليست هذه دولة دينية على غرار تلك التي كانت موجودة في العصور الوسطى؟
    ـ «الدولة الدينية دي عندكو في أوروبا».

  • لكننى مصري كما تعلم.
    ـ سؤالك يدل على ما تفكر به، وأقول لك ليس هناك دولة دينية إلا في العصور الوسطى في أوروبا، وهي مرفوضة. وهذا كلام لا يجوز تكراره.

  • ما هي علاقة الإخوان بنظام مبارك؟
    ـ نظام مبارك لا شأن لي به، ولن أتحدث عنه. نظام مبارك استبدادي أحادي يستخدم الأمن لتنفيذ أغراضه. نظام لا يعتمد على قانون ولا على دستور ولا قيم أو مبادئ، الأمن يحكم البلد. أنفه فى كل شيء، في الجامعات والأوقاف والري. لذلك، وأنا آسف على ما سأقول، هذا هو سبب التخلف. مصر الآن بكل المستويات متخلفة، فاشلة في التعليم والاقتصاد وكل شيء. لأنهم لم يعطوا فرصة للصادقين المخلصين من أبناء هذا البلد ليتعاونوا معهم.

  • متى كانت مصر ناجحة من وجهة نظرك؟
    ـ نجحت عندما تعاونت الحكومة مع الشعب سنة 1951، عندما قام الشعب بطرد الإنكليز.

  • تقصد سنة 1952 عندما قامت ثورة تموز؟
    ـ لا بل 1951. كان هناك تعاون كامل بين الحكومة والشعب. وأيضاً في حملة الدفاع عن فلسطين سنة 1948.

  • أي إن مصر في العهد الملكي كانت أنجح منها في الجمهوريات المتعاقبة؟
    ـ بألف مرة.

  • لكن العهد الملكي هو الذي اغتيل فيه حسن البنا؟
    ـ وماله (ما همَّ)، لكنه لم يقتل الإسلام ولم يحطم الشعب ولم يقض على الحريات. كان هناك قانون محترم ودستور. لكون الأحزاب لم تحترم نفسها، والملك كان صاحب سلطات أفسد البلد. هذا شيء آخر لأنه في المقابل كان الشعب حراً وكنا نتظاهر في الجماعة ونهتف: يسقط الملك. كنا نخرج في تظاهرات ونضرب الإنكليز.

  • لكن حركتكم الآن أقوى. ولكم في مجلس الشعب 88 نائباً لم يفعلوا شيئاً كبيراً.
    ـ من أتى بهم، أنا أم الشعب؟ مبارك أيضاً يقول إن الشعب هو الذي أتى به؟ ويقول إنه يستمد شرعيته من الشعب.

  • هل معنى تلميحاتك أن مبارك رئيس بلا شرعية؟
    ـ هو رجل شرعي لأن الناس اختاروه. لماذا تريد أن تدفعني إلى كلام خطير؟ لا أحب أن أتحدث عن رئيس الدولة بشكل ينقص من قدره. أرفض تصرفاته، لكن لا بد أن يظل محترماً.

  • هل حاولتم الضغط الاقتصادي على النظام؟
    ـ الإخوان ليس لديهم قرش واحد في المصارف، ولا نملك شركة واحدة.

  • هناك تقارير اقتصادية تحدثت عن محاولة للتأثير في البورصة أو لشراء الذهب. وهناك تقارير عن أن 7 مليارات جنيه سحبت من مصارف مصر وأودعت مصارف خارجية.
    ـ هذه ليست أموالنا. لكنها أموال هربت نتيجة أفعال الأمن. وقالوا لي مرة إن عملية الأزهر والميليشيات هرّبت المستثمرين من مصر، فقلت هل عرض رياضي لطلاب يهرب المستثمرين أم جحافل الأمن المركزي الموجودة في الشوارع؟

  • أنت سلطة مركزية مثل رئيس الدولة؟
    ـ أكثر، نحن جماعة مؤسسية قائمة على الشورى. كل مؤسسة جاءت من انتخابات، ولها احترامها وقدرها، لكن عندما تتخذ مؤسسة قراراً، تراجعه وتعرضه على مكتب الإرشاد ليأخذ صورته النهائية.

  • هل حدثت أزمة بعد الاعتقالات الأخيرة، إذ يقول الباحثون إن تنظيم «الإخوان» يدار بعلاقة بين «الأمراء» الذين يشبهون الجهاز العصبي الذى يحرك جسماً ضخماً، الآن الجسم مشلول بعد اعتقال الأمراء. وهذه هي أزمة «الإخوان» من وجهة نظر ما؟
    ـ هذه نظرة خائبة. هل تتصورون أن الجسم هو محمد عاكف (يقصد نفسه)، بينما نائبه الثاني خيرت الشاطر هو العقل؟ الحقيقة هم لا يعرفون ماذا يفعلون. جاءت لهم أوامر من ناس جاهلة، وفي يدهم قوة باطشة.

  • لكن هناك جديد قضية غسل أموال للمرة الأولى؟
    ـ غسل أموال لرجال يعملون في السوق منذ 30 عاماً، وهم معروفون في الداخل والخارج. والحكومة تعرفهم جيداً وتتعامل معهم، بل وتستأمنهم. هل نحن تجار مخدرات؟ كلب اسمه فؤاد علام (نائب سابق لمدير مباحث أمن الدولة) شبه الإخوان بتجار المخدرات، قال إن كلينا محظور. وهذا دليل على أنهم لا يستحون وأنهم أصبحوا فجاراً وعملاء. لم يعرفوا كيف يتصرفون عندما جاءتهم أوامر من فوق: لا بد أن تعرفوا من أين تأتي فلوس (أموال) الإخوان؟

  • لكن بالتأكيد معسكرات التدريب التي تعتمد على تدريبات «الفتوة» وأنت نفسك أحد نجومها تثير الفزع لأي نظام.
    ـ ما العيب في أن يكون شبابنا قوياً فيه فتوة وخلق بدلاً من أن يكون شباباً مخنثاً يجري وراء البنات.

  • تدريباتكم ينقصها السلاح لتكون أساساً لميليشيات مسلحة؟
    ـ وما العيب في أن نتدرب حتى يأتي الوقت الذي تهاجم فيه مصر فيجد الأعداء رجالاً في مواجهتهم.

  • مصر عندها جيش.
    ـ قلت مراراً إن أي قوة شعبية لا يمكنها القيام بعمل عسكري إلا بإذن من الحكومة وتحت تدريبات الجيش. لكنهم للأسف مستمرون في السخف ويلقون القبض على الناس لأنهم يلعبون رياضة. وهذا استخفاف بالعقول. وأنا أقول للنظم العربية والإسلامية، وفي مقدمتها النظام المصري: اتقوا الله في أنفسكم لأن لكل منا نهاية، وكلنا سنذهب إلى رب كريم. أقول لهم اتقوا الله في أوطانكم وشعوبكم. هل يتخيل أحد أن حسني مبارك يمنح الجنرال جون أبي زيد (القائد السابق للقيادة الأميركية الوسطى) نيشاناً، وهو قاتل وقائد لقوات احتلال العراق؟ وأنه يقابل (رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود) أولمرت بالأحضان ولا يقابل إسماعيل هنية أو خالد مشعل؟ سيقولون لي: لكي لا يغضب الأميركيون، وسأرد عليهم، وهل أمير قطر لا يخضع لضغوط الأميركيين، وهل الملك عبد الله ليس تحت ضغط الأميركيين؟

  • ماذا عن التفكير في حزب سياسي؟
    ـ لن أعلن عن حزب في وجود لجنة أحزاب تخالف الدستور الذي ينص على أن كل مواطن له الحق في تكوين حزب أو جمعية. سنعلن عن البرنامج من أجل أن نستمع إلى آراء نستفيد منها ونصححها.

  • هل تعرضتم لخديعة أميركية؟
    ـ لا يعرفون خديعتنا. من اليوم الأول رفضت كلمة «الديموقراطية الأميركية». فهم يساندون النظم الاستبدادية. وأميركا لم تنجح في استغلال الإخوان.

  • من هو الرئيس المقبل لمصر؟
    ـ لا يهمني. ولست مشغولاً ولا أفكر به. أريد فقط أن تحكم مصر الغالية الحبيبة بشعبها لا بلصوصها.


    اخلع نعليك أنت في مكتب الإرشاد

    هذه هي المرة الأولى التي أذهب فيها إلى مكتب الإرشاد. لم أكن واثقاً بأنهم سيوافقون على الحوار، فأنا من نقاد الإخوان والمختلف معهم بشكل جذري. لكني رأيت أن أحاور المرشد لأعرف كيف يفكر في تلك اللحظة الثقيلة على تنظيم قديم ومعقد؟ وافقوا بعدما اطمأنوا إلى أن الحوار لصحيفة خارج مصر.
    وعلى الدرج المؤدي إلى مقر المكتب، لم يكن هناك ما يشير إلى طوارئ خاصة. «الإخوان المسلمون» مجرد ملصق صغير على الباب مكتوب بالعربية والإنكليزية، ووراء الباب مجموعة أحذية وعيون تنظر إليك أن تفهم: اخلع الحذاء.
    وإذا لم تفهم من نظرة العيون فسيأتيك الأمر مباشرة. ارتبكت، واعتبرت أن طقس خلع الحذاء هو علامة سياسية تستحق التأمل.
    رجل عادي يشبه مديري المدارس. بنية كلامه كلها تميل باتجاه الخطابة والتصريحات. لا يهتم بالأفكار ولا بالفلسفة. إنه في حال تصريحات دائمة. ولأنه وقع في أزمات كثيرة بسبب تصريحاته المنفلتة، فإن عينيه تكونان دائماً مع موظف يراقب الحوار. ومن الصعب أن تتابع نوع الإشارات المتفق عليها بين المرشد والمراقب.



    لم يستطع مهدي عاكف مخالفة أوامر حسن البنا. ترك الدراسة في كلية الطب ودرس التربية البدنية. تدخل حسن البنا في تحديد مصير شاب عمره 18 سنة وقتها في 1946. اللافت أنه ولد في العام الذي ولدت فيه الجماعة. وظلت محطات حياته مرتبطة بخطوط حركتها: السجن والاتهام بمحاولة قلب نظام الحكم ثم الهجرة من مصر، وبناء التنظيم الدولي في ميونيخ والعودة ودخول مجلس الشعب في العام 1987