strong>غزة ــ رائد لافي
حاولت أحلام فروانة أن تبدو صامدة وقوية، عندما بدأت الحديث عن ابنها محمد، الذي استشهد خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال قبل ثلاثة أعوام. فتحنا جرحاً لم يندمل في قلب أمّ دعت ربها أن يكتب لها السكينة في حال استشهاده، كآلاف الأمهات الفلسطينيات اللواتي يتوقعن بين لحظة وأخرى استشهاد أبنائهنّ بفعل آلة البطش الإسرائيلية.
في الثامن من آذار، الذي تحتفل فيه المرأة بـ«يومها العالمي»، يبدو العيد نوعاً من الترف بالنسبة إلى المرأة الفلسطينية، التي اعتادت على الألم ومرارة العيش.
ورغم الصلابة الظاهرية التي تبدو على وجه أحلام، إلا أنها لم تستطع أن تمنع دموعها. تقول «الحياة لا تتوقّف عند فقداننا غالياً أو عزيزاً، ومع سيل الشهداء المتدفق يجب الإيمان بأن الحياة مستمرة، وشلال العطاء المنبعث من الأمهات الفلسطينيات لا ينضب».
وتضيف أم علي، كما يحلو لأحلام أن يناديها الجيران، «إن المرأة الفلسطينية أثبتت على مدار سنوات النضال الوطني أنها الأكثر عطاءً، وشريكة للرجل كتفاً بكتف في مقاومة المحتل».
وتؤمن أم علي بأن «الحذر لا يمنع القدر».
وعن الذكريات الخاصة التي تختزنها عن ابنها الشهيد محمد، تقول أم علي «كان محمد مميزاً في كل شيء. كان الوحيد القادر على تحويل جميع أيامي إلى أعياد، فقد كان معتاداً حتى يوم استشهاده على تقبيل يدي عند خروجه من المنزل وعودته إليه، وكأنه عائد من سفر بعيد من شدة حبه لي وحبي له. وكان دوماً يشعرني أن رضاي عليه هو أهم ما يبتغيه بعد رضا الله».
وفي بيت آخر، كان الموعد مع قصة نضال أخرى... بطلتها هذه المرة أم الشهيد نضال صادق، الذي قضى قبل نحو عامين برصاص قوات الاحتلال. تقول «إن ابني الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وقت استشهاده، كان دائم الحديث عن الشهداء، لكني لم أتوقع أبداً أن يندفع بإصرار نحو الشهادة».
ويصادف يوم استشهاد نضال يوم الثامن من آذار، عندما خرج مع رفيق له فجر ذاك اليوم من عام 2005، لتنفيذ عملية فدائية ضد أحد المواقع العسكرية في مستوطنات «غوش قطيف» قبل الانسحاب الإسرائيلي. تقول أم نضال «لقد كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي أن يتركني أكبر أبنائي الذي كنت أتمنى أن أراه عريساً بعد إكمال دراسته».
وعن ذكرياتها مع ابنها البكر، تقول أم نضال «كان حريصاً على طاعتي، وقد أهداني في عيد الأم الذي سبق استشهاده، مصحفاً صغيراً ووردةً حمراء كتذكار. وبالفعل كان التذكار الأخير». وتتابع: «هناك مناسبات كثيرة سعيدة تمر على الناس يحتفلون فيها مع أبنائهم وسط أجواء من السعادة والفرح، لكني كئيبة بالنسبة لي ولآلاف أمهات الشهداء، ممن يستحضرن أياماً وذكريات مع أولادهن الذين خطفهم المنون في عمر الزهور».