strong>علي شهاب
«عقيدة بترايوس» اصطلاح يمكن إطلاقه على خطة قائد قوات الاحتلال الأميركي للعراق، وخاصة أنه بات محط آمال، نظراً للمقاربة المتميزة التي ينوي اعتمادها في بلاد الرافدين. فما هي أبرز مقومات هذه «العقيدة»؟

«أي شخص يدرس التاريخ يدرك أن لا حل عسكرياً لمشكلة كتلك الموجودة في العراق. إنّ التحرك العسكري ضروري لتعزيز الأمن، لكنه ليس كافياً».
بهذه الخلفية الفكرية، قدّم قائد الاحتلال الأميركي دايفيد بترايوس مقاربته للمشكلة الأمنية في العراق، من خلال إطلالته الإعلامية الأولى بعد تسلمه مهماته خلفاً لجورج كايسي.
خلفية كهذه ليست غريبة على متابعي هذا الجنرال، الذي بات محط آمال إدارة جورج بوش؛ فقبل أشهر من توجهه الى العراق، كلفته وزارة الدفاع الأميركية وضع أسس جديدة في مواجهة الحركات المناهضة للأميركيين، بناءً على التجربة الأميركية في كل من العراق وأفغانستان. فلم يكن منه إلا أن فاجأها بوضع دليل ميداني، حمل عنوان «مكافحة التمرد»، يتضمن «عرضاً تاريخياً لفترة تزيد على القرن لأبعاد مهمة لدى حركات تمرد سابقة». دليل ركز فيه على أهمية توعية القوات الأميركية بـ«العادات والتقاليد والثقافة السائدة في البلد المضيف للقوات الأميركية، والاتصالات الشخصية، واستراتيجيات إعادة الإعمار والتعاون الوثيق مع الوكالات غير العسكرية»، مع الاشارة الى أن «الطرف الذي يتعلم ويتكيف بسرعة أكبر، هو الذي ينتصر عادة».
وقد حظي هذا الدليل بشعبية وإقبال لم يحظ به، على الأرجح، أي دليل عسكري أميركي، ذلك أنه سحب ما يزيد على 600 ألف مرة من موقعه على شبكة الانترنت، خلال الأيام الأربعة الأولى من نشره في 15 كانون الأول 2006، رغم حجمه الكبير، بحسب مركز «التاريخ العسكري» في الجيش الأميركي.
سبق لبترايوس أن خاض تجربة وصفت بأنها ناجحة عندما شغل منصب قائد قوات الاحتلال في الموصل. تجربة كهذه شجعت الإدارة الأميركي على تكليفه منصبه الجديد في محاولة منها، قد تكون الأخيرة، للتوصل إلى خروج مشرف من العراق. التزم الجنرال الأميركي الصمت مذ تسلم منصبه في 10 شباط الماضي. لكن مؤتمره الصحافي المذكور أوضح الكثير من نياته العراقية.
العنصر الأبرز فيه كان جيش المهدي الذي «يعود أمره الى الزعماء العراقيين»، مع اشارة لافتة أطلقها بترايوس إلى أن «لدى العديد من الدول جهاز شرطة احتياطي»، فهل قرر القائد الأميركي احتواء تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من خلال ضم ذراعه العسكرية الى الدولة؟ سؤال قد تكون الإجابة عنه في الإشارة الثانية التي أطلقها بترايوس باتجاه فتح حوار مع الحركات السنية.
الحقيقة هي أن منظومة تفكير المسؤول الجديد تقول إنه «ينبغي للقوات الأميركية أن تتفهم تماماً شعب الدولة التي تجري فيها العمليات، والمتمردين في تلك الدولة وحكومتها. ويجب على القادة العسكريين والمسؤولين عن وضع الخطط أن يكونوا على بصيرة بمراحل عملية اتخاذ القرار بالنسبة إلى الأفراد والمجموعات، وإتاحة فرص الحصول على العفو وإعادة التأهيل للراغبين في دعم الحكومة الجديدة».
ويبدو، من خلال المؤتمر، الذي عقد في بغداد في 8 آذار الجاري، أن بترايوس يراهن على مساعدة العشائر لعناصر الشرطة العراقية من خلال معلومات يتوقع أن يجمعها منها. رهان كهذا يستند إلى دليل بترايوس الميداني، حيث أوضح في فصله الثالث «أن عمليات مكافحة التمرد مغامرة يتم توجيهها في ضوء ما يتوافر من معلومات استخبارية».
لكن العشائر لا يعوّل عليها كمصدر وحيد للمعلومات الاستخبارية؛ فالقائد الجديد للاحتلال يعمل على زرع ضباط استخبارات و«مستشارين ممتازين» في بغداد والأجهزة الحكومية العراقية. وفي هذا السياق، تندرج الزيادة في عدد القوات في العاصمة العراقية، التي استضافت 2200 عنصر إضافي من الشرطة العسكرية وضباط الاستخبارات مطلع شهر شباط الماضي بناءً على طلب بترايوس.
ويبدو أن بترايوس وضع خطة زمنية للانتقال من مرحلة «جمع المعلومات» الى مرحلة التنفيذ، حين سيصل عديد القوات الاميركية الى «الذروة» في شهر حزيران المقبل.
ويشمل العمل الميداني، بمفهوم بترايوس، «تأسيس المناطق الآمنة وتوسيع نطاقها، وعزل المتمردين عن المناطق المأهولة»، الأمر الذي يفسر قوله، خلال مؤتمره الصحافي نفسه، إن «أي شخص يريد تأمين بغداد يعلم أن عليه تأمين حزام بغداد، أي المناطق التي تحيط بها».
هذا على المستوى الأمني. لكن بترايوس يعتمد خطة متعددة الأبعاد. فهو يسعى إلى مخاطبة وعي العراقيين ومشاعرهم، عبر الحديث عن «إنعاش الأمل» و«تحقيق الطموح» و«صرف طاقات الشعب الموهوب»، «وتشجيع استئناف النشاط التجاري». عبارات تندرج كلها في إطار شعاره الوارد أيضاً في الدليل، تحت عنوان «التركيز على السكان، احتياجاتهم وأمنهم»، ما يفسر تركيزه على «الفوز بثقة المواطنين (العراقيين) ودعمهم من خلال إثبات القدرة على تقديم الخدمات» لهم.
لكن بترايوس، وخلافاً لمن سبقه من قادة الاحتلال، وحتى الإدارة في واشنطن، لم يهدد بتوسيع العملية الامنية، أو يفتخر باعتقال عشرات «الإرهابيين». بل إنه لم يشدد على أهمية تدريب الجيش العراقي، ولم يحذّر من عمليات عسكرية خاطفة. إغفال هذه القضايا لم يكن عبثياً. يبقى دليله الميداني خير معين على الفهم:
«الممارسات غير الناجحة تتضمن إجراء عمليات أوسع نطاقاً عن المعتاد، والمبالغة في التركيز على قتل العدو والقبض عليه بدلاً من التركيز على ضمان أمن السكان وإشراكهم في العملية، وتأليف وتدريب قوات أمن البلد المضيف على غرار الجيش الأميركي، وتركيز عمليات القوات الخاصة بصفة رئيسية على عمليات الإغارة».