strong>حيفا ــ فراس خطيب
لا يزال فلسطينيو 48 يعانون «قوانين» مصادرة أراضيهم، التي سنَّتها إسرائيل مع بداية الخمسينيات، وتبنّت أخرى من عهد الانتداب البريطاني، والتي تمنح بمجملها الشرعية لاستيلاء المؤسسة الإسرائيلية على أراضي القرى الفلسطينية التي هُجِّر أهلها أثناء النكبة في عام 1948

تأتي عمليات المصادرة لأراضي فلسطينيي 48 موازية لسعي السلطات الإسرائيلية إلى «تضييق المدى» على القرى الفلسطينية التي ظلَّت قائمة بعد النكبة، بحيث تمنع توسّعها وتحد من تطورها على أساس مبدأ «أكثر عرباً على أقل مساحة أرض».
وأصدرت المحكمة الإسرائيلية المركزية أول من أمس في مدينة الناصرة قرارها بـ«سريان مفعول» المصادرة على ما يقارب 200 دونم، كانت قد صودرت منذ عام 1953، وتعود ملكيتها لـ 300 عائلة من قرية اللجون المهجرة منذ عام 1948، ويسكنون اليوم في مدينة أم الفحم في منطقة المثلث، التي تتعرض هي أيضاً لمخططات سلطوية يسعى من خلالها اليمين المتطرف بقيادة أفيغدور ليبرمان إلى ضمها إلى مناطق السلطة الفلسطينية في مقابل ضم مستوطنات يهودية إلى حدود إسرائيل للتخفيف من نسبة الفلسطينيين في الداخل والتقليل من حدة «الخطر الديموغرافي».
وتقدّم الأهالي بطلب لإلغاء أمر المصادرة، الذي صدر في عهد وزير المالية الإسرائيلي في حينه ليفي اشكول.
وكانت السلطات قد صادرت بموجب هذا القرار أكثر من 34 ألف دونمٍ بنيت عليها مدن يهودية ومستوطنات تنتشر على كل المساحة، وسُجِّلَت باسم الدولة واستغلالها لأغراض استيطانية، في وقت رفضت فيه الغالبية الساحقة من الأهالي نيل تعويضات تذكر من الدولة على أمل العودة إليها ذات يوم.
هذا ولم تتم تسوية 200 دونم تابعة لأهل أم الفحم واللجون، وطالبت إسرائيل أخيراً بتسويتها، أي بمصادرتها، إلا أنَّ الأهالي رفضوا ورفعوا دعوى ضد ما تقدمت به السلطات مدعين أنَّ الأرض لم تستغل على مدار خمسين عاماً للأهداف التي تمت المصادرة من أجلها، ولا تزال المنطقة حرجية ويوجد فيها منشأة لشركة «مكوروت»، لا غير.
«المصادرة ليست قانونية»
وكان الأهالي قدَّموا ادعاءاتهم عن طريق المركز القانوني للأقلية الفلسطينية في الداخل «عدالة»، الذي شدد، من خلال المحاميين عادل بدير وسهاد بشارة، على أنّ مصادرة الأراضي «ليست قانوية ولاغية من الأساس»، مطالبين بإعادة الأراضي لأصحابها.
وأشار المحاميان إلى أنَّ قانون المصادرة نصّ على أنَّها تتم إذا استغلت الدولة الأرض المصادرة بهدف الاستيطان، إلا أنَّ الدولة لم تستغل الأرض، ما يجبر السلطات على اعادتها.
ولم تقنع هذه الاعتراضات القاضي الاسرائيلي، أفراهام أفراهام، وأمر بمواصلة «حق الدولة» بمصادرة الأرض، معللاً أنَّ «الاستيطان» لا يعني بالضرورة «بناء بيت فقط»، مشيراً إلى أنَّ هذا المصطلح «واسع للغاية» ويعني أيضاً «استخدام الأرض لأغراض تخدم مواطني الدولة بشكل عام مثل الزراعة والحراثة».
وينظر مركز «عدالة» بخطورة إلى تفسير المحكمة هذا. وبحسب ادعاء عدالة، فإن قرار المحكمة «يمنح شرعية للسيطرة على الأراضي بشكل غير قانوني ومن دون حق، وخصوصاً في ظل حقيقة أن قانون ملكية الأراضي، الذي بموجبه أصدر الوزير في حينه أمر المصادرة المذكور، قد تم من أجل تسهيل السيطرة على مساحات واسعة اضطر أصحابها لتركها في فترة الحرب في عام 1948».
وقال المحامي عادل بدير من «عدالة»، لـ «الأخبار»، إنَّ ما قامت به اسرائيل على مدار الاعوام الماضية كانت مصادرة «غير قانونية وغير دستورية»، مشيراً إلى أن اسرائيل استولت على الأراضي من دون الاستناد الى قانون يذكر». وشدد على أنَّ «عدالة» يستند في دفاعه عن الأهالي إلى الماضي ومرور فترة طويلة من دون استغلال الأرض و«غياب الحاجة للمصادرة منذ البداية».
وقال المحامي رفيق جبارين، رئيس لجنة متابعة قضية اراضي اللجون، إنَّ منطقة المثلث «تعاني الويلات من ممارسات السلطة ومصادرة الأراضي»، موضحاً أنَّ السلطات «تضيق الخريطة الهيكلية للبلدات العربية في وقت تكبر فيه البلدات وهي بأمس حاجة للأراضي».
واستذكر جبارين أن مدينة أم الفحم كانت تمتلك ذات يوم 148 ألف دونم استغلها الأهالي، لكنَّها اليوم لا تملك شيئاً تقريباً. وأوضح أن ما يحدث في قضية اللجون ليس عادلاً. وقال إنه «حتى القانون الذي سنّوه هم بأنفسهم لا يسمح بالمصادرة، لكن تفسير القانون ينتهي حين يبدأ الحديث عن العرب».
وقال عضو اللجنة جمال عبد الهادي، أبو رياض، لـ«الأخبار»، وهو أحد أصحاب الأرض، إن المساعي مستمرة وإن اللجنة ستبحث تقديم التماس إلى المحكمة العليا بهذا الشأن. وأشار إلى أنّ المسيرة مستمرة من أجل إعادة كل أراضي اللجون وبناء مدينة مكان تلك التي هدمت.
يوم الأرض
يذكر أنّ هناك العديد من قضايا مصادرة الأراضي، أهمها قانون «أموال الغائبين» بحيث تستولي إسرائيل على أراضٍ تابعة لفلسطينيين هجروا من أرضهم وغابوا عن وطنهم، والثاني هو المصادرة والتعويض الذي سن في عام 1953 لمدة عام لإتمام الهيمنة الكاملة على الأراضي بحيث تتم خلال العام تسجيل كل الأراضي التي صودرت باسم الدولة.
وكانت السلطات الإسرائيلية قد أمرت قبل سنوات بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي «الروحة»، الواقعة على مقربة من أم الفحم والمثلث، إلا أنّ نضال الأهالي وسقوط عدد كبير من الجرحى أدى في النهاية إلى تنازل السلطات عن المخطط وصادرت جزءاً بسيطاً من الأراضي بناءً على اتفاق تسوية.
وتبنت اسرائيل قوانين قائمة منذ الانتداب تقضي بمصادرة أي ارض لاستعمالات مدنية وعسكرية. وقد صادرت منذ عام 1948 مئات آلاف الدونمات من أصحابها الفلسطينيين واستغلت لتوسيع نفوذ القرى والمدن اليهودية الحديثة على حساب القرى العربية المجاورة.
ولا يزال أصحاب الأرض يصارعون من أجل إعادة أراضيهم المستولى عليها أو العودة إلى قراهم التي هدمت، في وقت تصمّم اسرائيل على استغلال قوانينها لخدمة اغراض المصادرة التي لا تنتهي والتي تعاني منها كل القرى العربية في كل المناطق؛ فلا توجد بلدة عربية واحدة لا تعاني من ضيق الخريطة الهيكلية لها التي سلبت لحساب مدن يهودية جديدة.
وتحيي الجماهير الفلسطينية في الداخل في الثلاثين من آذار الجاري الذكرى الواحدة والثلاثين ليوم الأرض حين هبّت الجماهير الفلسطينية في مثلث يوم الأرض (قرى عرابة وسخنين ودير حنا) ضد المخطط لمصادرة آلاف الدونمات من اراضيهم لاستعمالها عسكرياً واستشهد في حينه 6 فلسطينيين.