strong>برلين ـــ غسان أبو حمد
يتمتع المسلمون في ألمانيا بوضع متميز، قياساً بنظرائهم في الدول الأوروبية الأخرى، ليس أقلها احترام الألمان، على المستوى الرسمي تحديداً، لعاداتهم وتقاليدهم. يبدو واضحاً أن ثقلهم الانتخابي في المجتمع الألماني يؤدي الدور الأساس في هذه القضية

  • سباق على استقطاب أبناء الديانات السماوية «تلفزيونياً» يثير انقسامات مذهبية

    أدركت الأحزاب السياسية الألمانية أهمية تحويل المؤمنين بالرسالات السماوية إلى «أصوات انتخابية»، وبدأت المنافسة الإعلامية تبدو واضحة في برامج الأحزاب السياسية؛ تصاريح ببناء المساجد الإسلامية وإعادة الاعتبار للتقاليد والطقوس الدينية ونقل الصلاة والتبشير الديني عبر قنوات الإعلام الرسمي، وصولاً إلى طبع الكتب الدينية بالوسائل التقنية الحديثة.
    أمور تجري تحت عناوين عديدة، أبرزها تأمين الاختلاط والاندماج الاجتماعي وتحقيق مبادئ الدستور بالمساواة والعدل بين المواطنين. لكن في حقيقة الأمر، تتعامل الأحزاب مع المؤمنين بالرسالات السماوية، لا خدمة للإصلاح والتوعية وتحقيق الاندماج وتأمين مبادئ الدستور، ولكن كأصوات في صناديق الاقتراع.
    وتجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات الأخيرة أظهرت أن إقبال المواطنين الألمان على الديانة الإسلامية قد زاد نحو أربعة أضعاف في السنوات الخمس الماضية (مجلة «شتيرن»)، وأن اهتمام المواطنين الألمان بالشأن الروحي هو إلى ازدياد مضطرد، وقد بات بالإمكان التعرف إلى مضمون وفحوى بعض الديانات السماوية باللغة الألمانية، وبالصوت والصورة.
    وكان من الطبيعي أن تأخذ الأحزاب الألمانية إقبال المواطنين الألمان على الديانات السماوية بعين الاعتبار، لا بدافع الإيمان، بل بدافع الحصول على تأييد سياسي أوسع.
    وتعتبر إحدى المجلات الألمانية اهتمام السياسيين والأحزاب الألمانية بالشؤون الدينية السماوية بمثابة نقطة هامة في برنامجها الدعائي الانتخابي، «إنهم في النهاية سيقفون أمام صندوق الاقتراع السياسي الذي يوفّر لهم أقصر الطرق لدخول جنان الراحة في الآخرة».
    هذا على الأقل ما أدركه مدير المجلس الاستشاري للقناة التلفزيونية الثانية (Z.D.F) روبرشت بولنز والنائب فولفغانغ شويبله (عضوان في الحزب الديموقراطي المسيحي) من خلال قرار مفاجئ يقضي بمنح المسلمين في ألمانيا إمكان المشاركة بصلاة يوم الجمعة على القناة التلفزيونية، أسوة بقدّاس يوم الأحد التقليدي للمسيحيين.
    هذا المشروع جرت حياكته بتعابير منمّقة، بعيدة كل البعد عن الغاية الحزبية الضيقة، وهي تحقيق الاندماج الاجتماعي وتأمين المساواة بين المؤمنين من أبناء الديانات السماوية.
    اليهود يريدون «نصيبهم»
    هذه الظاهرة المميّزة والفريدة في تاريخ الإعلام التلفزيوني، الذي يخفي في باطنه دعاية حزبية لكسب الناخبين من الرعايا المسلمين، كانت مناسبة لتحرك بقية الأحزاب الألمانية، شجباً وتأييداً، أو تحريكاً لمعركة بين الطوائف من خلال دعوة الطائفة اليهودية للصلاة يوم السبت أيضاًوبين الذين رفضوا منح المسلمين حق الصلاة يوم الجمعة، أسوة بحق المسيحيين بالصلاة يوم الأحد، كان الأمين العام للحزب المسيحي الديموقراطي ماركوس زودر من خلال انتقاد قاس وجهّه إلى حلفائه السياسيين، ينصحهم بعدم تحويل القنوات التلفزيونية والإذاعية إلى مساجد للمسلمين بسبب الشحّ في الأموال، «ولأن المساواة في الصلاة السماوية لا تحقق الاندماج الاجتماعي، بل المنافسة بين الديانات السماوية. المطلوب سدّ قبور الهدر في الموازنات المالية وليس تعميق الحفر. من الأفضل فتح المنابر الإعلامية أمام الشؤون الثقافية والفكرية عوضاً عن فتحها أمام المنافسات الدينية». وأضاف «ليس بهذا الأسلوب وهذه الطريقة نحمي مجتمعنا من الجماعات الإسلامية المتعصبة ودعوتها لاعتماد العنف والإرهاب».
    ورداً على التحذيرات التي أطلقها بعض السياسيين من تحويل الوسائل الإعلامية إلى منابر ومنصّات للجمعيات الأصولية المتطرفة، أوضحت إدارة القناة التلفزيونية بأنها تحتفظ لوحدها بحق اختيار ما يجوز بثّه، وليس هناك حق للجمعيات الإسلامية يمنحها حقّ الرأي في مضمون المواد والبرامج الدينية الإسلامية.
    وفي مواجهة رفض الحزب المسيحي الديموقراطي الحاكم في ولاية «بافاريا» منح الرعايا المسلمين حقّ الصلاة في المنابر الإعلامية أسوة برعايا الديانة المسيحية، أيدت رئيسة حزب «الخضر» النائبة كلاوديا روث، في حديثها إلى صحيفة «بيلد أمزونتاغ»، حق رعايا أبناء جميع الديانات السماوية في ألمانيا بالمساواة في الصلاة من على المنابر الإعلامية الرسمية «لأننا نعيش في مجتمع متعدد. ومن حق المسلمين، الذين باتوا يشكلون الطائفة الثانية الأكبر عدداً في ألمانيا، ممارسة حقوقهم».
    لكن ماذا تعني المساواة في الحقوق بين الطوائف التي يتشكّل منها المجتمع الألماني؟
    هنا يطلّ المجلس اليهودي المركزي للمطالبة بحق اليهود بنصيبهم «التلفزيوني» في «صلاة يوم السبت»، فاقترح نائب رئيس المجلس شلومو كورن، في حديثه إلى مجلة «درشبيغل»، منح طائفته الحق ببرنامج «كلمة نهاية الأسبوع». هذا المطلب اليهودي بات الآن مادة دسمة للنقاش الجدي على طاولة إدارة البرامج في القناة التلفزيونية.
    وفي محاولة لكسب أصوات اليهود، يطالب رئيس كتلة نواب حزب «الخضر» في البوندستاغ الألماني، فولكر باك بمنح «اليهود، كما المسيحيين والمسلمين، حق ممارسة صلاتهم وشعائرهم الدينية في نهاية الأسبوع، بهدف خدمة مبدأ مساواة المواطن أمام القانون، وبالتالي خدمة لمبادئ الدستور الألماني».
    لكن، ما هي الأصول التقليدية المتبّعة تاريخياً حتى يومنا في وسائل الإعلام الرسمي الألماني؟ طوال 53 عاماً الماضية، تتناوب طائفتان حصرياً، هما: المسيحية الكاثوليكية والمسيحية الإنجيلية، على حق «كلمة الدين»، التي تبثّ أسبوعياً في وسائل الإعلام الألمانية. ولم تنتبه الديانات السماوية الأخرى إلى «نصيبها» في الكلمة، لو لم تكشف الإحصائيات الأخيرة تضاعف عدد المسلمين أربع مرات على الأراضي الألمانية في السنوات الخمس الماضية، فتلحظ الأحزاب السياسية أهمية الرعايا المسلمين بصفتهم ناخبين أمام صناديق الاقتراع.
    الجماعات الدينية
    لكن، هل تقف الجماعات الدينية موقفاً واحداً موحّداً من مطلب المساواة بالحصول على حق بثّ الصلاة في الوسائل الإعلامية الرسمية؟
    واقع الأمر، أن الإجماع لا يشمل جميع الجمعيات الدينية، وخصوصاً المتعصّبة والأصولية في فهمها لأبعاد الدين، وعلى اختلاف انتماءاتها، سواء كانت مسلمة أو يهودية أو بوذية، أو غيرها.
    ترفض بعض الجماعات الإسلامية الأصولية بثّ الدعوة الدينية عبر وسائل الإعلام خوفاً من تفشّي «الخطر العلماني» بين المؤمنين. ويعبّر بعض المتحدثين باسم هذه الجماعات الأصولية عن رفضهم لبرامج بثّ الصلاة بوسائط التلفزة، بالقول: «ربما يتوقف بعض المسلمين عن التوجّه للصلاة في المسجد، ويقول في نفسه: لماذا أذهب للصلاة ما دامت الصلاة تأتي إلى منزلي»؟
    وترفض بعض الجماعات اليهودية الأصولية بثّ الدعوة الدينية عبر وسائل الإعلام الرسمي، وحجتها في ذلك، أن يوم السبت عند اليهود يبدأ عشية نهار الجمعة، وتقضي الأصول والتقاليد الدينية اليهودية التخفي في جنح الظلام وعدم استخدام الإنارة، وبالتالي يحظر استخدام الأنوار الكهربائية والآلات الإلكترونية.
    ويذهب بعض المتمسكين بالأصول والتقاليد إلى القول بعدم جواز بثّ الصلاة إلى جميع الناس من دون تفرقة، أي أن يتلقى «الصلاة المباركة، التي هي دعوة الله، المؤمنون والكافرون على حدّ سواء وأتباع الديانات الأخرى، بمن فيهم البوذيون والهندوس وسواهم».
    ويرى بعض منتقدي ظاهرة استخدام الوسائل الإعلامية للصلاة، أن الديانة المسيحية تخطّت بفعل التقليد التاريخي الانقسام الكنسي، واكتفت بمنح الكاثوليك والبروتستانت حقاً أسبوعياً بالتساوي مداورة، لكن من يضمن القدرة على التوفيق بين الأجنحة في الديانات الأخرى؟
    ففي الدين اليهودي، من يضمن نجاح المساواة بين الأصوليين والمحافظين والأرثوذكس والإصلاحيين والبنّائين؟
    وفي الدين الإسلامي، من يضمن نجاح المساواة بين السنّة والشيعة والوهابيين والعلويين، وبين الدروز والبهائيين؟
    وفي الدين البوذي والهندوسي والكونفوشي والزرادشتي.. تيارات مختلفة ومتناقضة، من يضمن نجاح المساواة والخروج من متاعب الخلافات التاريخية من دون خسائر ومن دون متاعب، وإلى ما هو أبعد من ذلك؟
    في ظلّ هذه التعقيدات، وخوفاً من فلتان أصوات «الناخبين المؤمنين» من أيدي الأحزاب السياسية، يجري البحث في ألمانيا حالياً عن مخرج منطقي. قناة تلفزيونية خاصة تبثّ الصلاة والموعظة الدينية طوال أيام الأسبوع وبالتساوي بين طوائف الأديان السماوية، عنوانها: «منح وقت للخالق». وهي قناة خاصة ترضي المؤمنين وتعيدهم إلى صوت الله كما ترغب الأديان. ومن ثم إلى صناديق الاقتراع كما ترغب الأحزاب.


    القرآن... باللغة الألمانيةويعتبر كل من الممثلين، بينكي وإيمهوف، من أفضل متخرجي جامعات التمثيل الألمانية في النطق، وقد شاركا في العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والإذاعية الناجحة.
    يبلغ طول شريط الاستماع إلى آيات القرآن باللغة الألمانية أكثر من عشرين ساعة، وهو من إنتاج المعهد الشرقي التابع لجامعة «لايبزغ»، وهي من أشهر المدن الألمانية تاريخياً في عالم الكتاب والطباعة.



    مساجد ومقابر... وأحزاب
    يعيش على الأراضي الألمانية أكثر من أربعة ملايين مواطن مسلم، معظمهم من الجالية التركية التي شكلت أول الهجرات الأجنبية إلى المانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وشكّل الشبان الأتراك أول عامل مساهم فعّال في بناء الدولة الألمانية الحديثة. ويأتي في المرتبة الثانية، بعد الجالية التركية، الجالية الإسلامية من يوغوسلافيا السابقة، وتحديداً من البوسنة والهرسك، وتليها الجالية العربية المسلمة. ويزداد سنوياً عدد المساجد الإسلامية ذات البناء التقليدي (قبّة ومنارة) حيث وصل في نهاية عام 2004 إلى حدود 160 مسجداً على كامل الأراضي الألمانية (سبعون مسجداً في العاصمة برلين وحدها، أبرزها، مسجد عمر ومسجد النور)، هذا بالإضافة إلى نحو ثلاثة آلاف منزل عادي للصلاة أو أمكنة للصلاة داخل المعامل.
    ويعتبر المسجد الإسلامي المعروف بمسجد «ميركز» في منطقة «كولومبيادام» في برلين من أقدم المساجد الإسلامية في العاصمة الألمانية، وقد دشّنه ملك بروسيا في عام 1866، وأقيمت إلى جانبه مقبرة للمسلمين، جرى إقفالها ووقف الدفن فيها بعد سبع سنوات من قيام الوحدة الألمانية، حيث نقلت الى مقبرة ثانية في منطقة «جاتو».
    تعدّ العاصمة الألمانية برلين، أكثر العواصم الأوروبية تسامحاً مع العادات والتقاليد الإسلامية، إذ يحترم أصحاب الشركات وأرباب العمل الألمان، أوضاع العمال المسلمين وطقوسهم في شهر رمضان، فيسمحون لهم بمغادرة الدوام باكرا،ً احتراماً لمواعيد الإفطار. كما يلبّي السياسيون الألمان من جميع الأحزاب السياسية دعوات الإفطار التي توجه إليهم، لإظهار احترامهم وإعجابهم بتقاليد وعادات المسلمين، وصولاً إلى السماح الشرعي والقانوني للذبح الحلال.