strong>أصفهان ــ إيلي شلهوب
العالم في واد، والشباب الإيراني في واد آخر.
همّه على وضعه الاقتصادي. لا يبالي بالتهديدات الخارجية لبلاده. مقتنع بأن طهران لن تدخل حرباً مع أي كان. يريد إصلاحات. لكنه لا يستعجلها. يقر بوجود اختلافات وصراعات داخلية. إلا أنه متأكد من تماسك المجتمع... والنظام!


«راض عن حياتي في إيران»، عبارة يستهل بها شاب إيراني نقاشاً في أحد فنادق أصفهان. يقول «مقارنة مع شباب الشرق الأوسط، أعيش حياة أفضل»، مشيراً إلى أن بلاده «تتمتع بالأمن والاستقرار خلافاً لبعض دول المنطقة».
ويضيف الشاب نفسه، خلال لقاء مع بعض الشبان الإيرانيين ممن يعتبرون أنفسهم من الإصلاحيين، أنه «ليس لدينا حياة نموذجية، إذ لدينا مشكلة اقتصادية. أنت تعلم، الحرب العراقية الإيرانية أثرت فينا والضغوط الدولية تعوقنا في مجال إعادة الإعمار. وإن بعض الدول تسببت لنا بمشاكل أثرت في أوضاعي الاجتماعية».
ويوضح شاب آخر، خلال النقاش الذي ساهمت الصدفة والترتيبات المسبقة معاً في حصوله، أن «الهم الأساس بالنسبة إلينا هو الحصول على فرصة عمل، واقتناء منزل وسيارة. أقارن شباب إيران بغيرهم من شباب المنطقة، أجدهم أحسن حالاً. ربما نحتاج إلى بعض الحريات الاجتماعيةيُطرح موضوع الحجاب، ويوجه سؤال إلى إحدى الفتيات عن رأيها فيه فتقول، وهي تكتفي بوضع وشاح على الرأس وترتدي زياً غربياً محتشماً، «أنا أؤمن بالحجاب. إنه جزء من ثقافتي. لكل مجتمع تقاليده وثقافته». وتضيف «نعيش في بيئة شرقية، ولها بعض التقاليد، قد تكون لدينا اعتراضات على بعض القيود المفروضة علينا، لكنها لا تشكل الهم الأساس بالنسبة إلينا. المشكلة الأولى والأساس بالنسبة إلينا هي المشكلة الاقتصادية».
سؤال يفرض نفسه: ألستم منزعجين من فكرة أنه ليس لديكم موسيقى ولا أغان، فيسارع أحدهم معرّفاً بنفسه على أنه ممثل وقد شارك في فيلم جرى تصويره في بيروت قبل أشهر، «من قال لك ذلك. لدينا موسيقى ولدينا أغان. بل حتى لدينا مسرح راقص. يمكنني أن أدعوك للمشاهدة إذا أردت. صحيح أن القوانين تفرض علينا بعض القيود. فعلى سبيل المثال لا يمكن الشاب أن يلمس الفتاة على المسرح. لكن قيود كهذه أدت إلى ابتداع أنواع جديدة من الفن المسرحييتدخل آخر قائلاً «نحب أن تكون لدينا ملاه ليلية، ولكن إذا لم يتحقق ذلك، فهذه ليست نهاية الدنيا. إنها قوانين ولا يمكن أن نغيّر القوانين». يضيف «بعد اندلاع الثورة (الخمينية عام 1979) لم تعد جميع أنواع الموسيقى مسموحة. لكن مع مرور الوقت يتغير كل شيء. كلما تقدم الزمن، يحمل معه المزيد من الانفتاح والتحرر. لسنا مستعجلين على تحقيق كل شيء دفعة واحدة. نحن نعلم بأن إيران بعد خمس أو عشر سنوات لن تكون هي نفسها إيران اليوم».
يوضح رفيق له «مع اندلاع الثورة، لم يكن مسموحاً للفتيات إلا بارتداء الشادور، أما اليوم أنظر حولك. صحيح أن الشادور لا يزال يفرض نفسه. لكن أعداداً كبيرة من الفتيات تخلين عنه وبدأن بارتداء وشاح حديث الطراز. حصل ذلك منذ عهد (الرئيس الأسبق هاشمي) رفسنجاني، وقد زاد منسوب التحرر مع (الرئيس السابق محمد) خاتمي. وجاء (الرئيس المحافظ محمود) أحمدي نجاد ولا يزال الوضع على ما هو عليه».
تسللت السياسة إلى الحوار. طُرح سؤال «ألا يزعجكم واقع أن رجال الدين يحكمون البلاد؟». جواب بالنفي. «ما الفرق بين رجل الدين والإنسان المدني. ليس مهماً ما يضعه على رأسه. المهم ماذا يفعل. انظر إلى محمد خاتمي. لقد كان عهده ذهبياً».
يستطرد أحدهم «لدينا مشاكل. ولدينا شكاوى من هذه المشاكل. لكن بعض الدول تسعى إلى تضخيم هذه المشاكل والتدخل في بلدنا. وفي هذه الحال سنتحد لمنعها».
سؤال جديد: هل أنتم مستعدون لخوض حرب من أجل البرنامج النووي الإيراني؟ يتطوع شاب، يقول إنه عنصر سابق من الباسيج، محركاً رأسه بطريقة تهكّمية قبل أن يضيف «لن تحصل أي حرب. إيران لن تخوض أي حرب».
إجابة أثارت بعض الاستغراب، تدخّل شاب آخر ليزيله موضحاً أن «إيران خاضت في تاريخها حروباً كثيرة، كانت آخرها الحرب مع العراق. أنت تعرف. خلال الحروب نصبح محرومين من الكثير من الأشياء. لا نريد أن نكرر التجربة مرة أخرى». ويضيف أن «الإيرانيين شعب مسالم ويحب السلام». جملة تكررت على لسان أكثر من مشارك.
تدخل أحدهم «كل إيراني يحب أن يحظى بالعديد من الأشياء، ويصبح أفضل حالاً. لكننا لسنا كغيرنا من الدول. نريد الحصول على ذلك وفقاً لقوانيننا. بعد الحرب مع العراق، حصلنا على السلام، والآن تسعى أميركا إلى الهيمنة علينا. ولا تريد أن نحظى بالسلام في بلدنا».
تخرج إحدى الفتيات عن صمت اعتصمت به بحجة أنها لا تفهم في السياسة. تقول «أبي قتل في الحرب مع العراق. كان طياراً حربياً. لا أريد لغيري من الفتيات أن يصيبهن مثل ما ألمّ بي». إجابة استدرجت سؤالاً عن شعورها عندما شاهدت الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وهو يعدم. صمتت للحظات، بدا خلالها أن عينيها ستغرورقان بالدموع، قبل أن تقول «لا شيء. فذلك لن يعيد لي أبي».
يخشى أحدهم سوء فهم لموقفه، فيبادر إلى القول «لكن إذا خيّرتنا أميركا بين البرنامج النووي السلمي والحرب، سنختار الحرب».
تساؤل: لكن لماذا تريدون البرنامج النووي وتخاطرون من أجله في وقت تمتلكون الكثير من موارد الطاقة؟ رد: «إنه رمز تقدمنا العلمي والتكنولوجي. لا نريد قنبلة نووية. إننا شعب مسالم. لم نهاجم أحداً منذ قرون. البرنامج النووي من أجل موازنة أميركا».
الفتاة الصامتة تتدخل مجدداً: «أنا أريد القنبلة النووية من أجل أعدائنا، أميركا وبريطانيا، لأنهما تمتلكانها».
ومع ذلك كان هناك إجماع بين الحضور عبّر أحدهم عنه بقوله «لا تقلق. سنحل المشاكل مع أميركا خلال سنوات. لكننا لا نستطيع فعل ذلك الآن. لا نزال غير جاهزين».
عودة إلى الشأن المحلي وسؤال عن موقفهم من سياسات أحمدي نجاد. يأتي الجواب مواربة. «كانت لدى حكومة خاتمي حلول أكثر لمشاكلنا. إنها أفضل من حكومة أحمدي نجاد. لو كان خاتمي موجوداً لما كانت لدينا مشاكل». «أحمدي نجاد لا يقوم بكل شيء بشكل طبيعي. يقوم ببعض الأشياء بسرعة قصوى. خاتمي كان أفضل».
سؤال من الحضور عن حرب تموز يستدرج سؤالاً عن موقفهم من حزب الله. تتطوع فتاة للإجابة. لغتها الانكليزية لا تساعدها كثيراً على التعبير عن نفسها. تقول «أنا أحبهم. إنهم صادقون. يضحون بحياتهم من أجل قتال إسرائيل».
ولكن لماذا أنتم مع قتال إسرائيل وهي لم تفعل شيئاً لكم؟. تضيف الفتاة نفسها «إسرائيل مثل أميركا. وربما هي أشد عداء لنا». يتدخل شاب «نكرهها لأن الصهيونية تسيطر على العالم وهي ضد الإسلام». ويوضح آخر «مشكلتنا مع أميركا مشكلة أفكار ومفاهيم وإسرائيل أداة لأميركا».



إنذار منتصف الليل
قاربت الساعة منتصف الليل. استأذنت الفتيات بالمغادرة. إشارات إلى الساعة توضح بأن الأهل بدأوا يقلقون. وأخرى تشير إلى أنهن تلقّين خلال الساعة الماضية أكثر من مكالمة هاتفية تستفسر عن موعد عودتهن.
الحديث يستمر. الشباب وحدهم أسياد الموقف. والأحاديث الشبابية بدأت تطغى على الحوار. إقرار جديد بالقيود التي لا يزال يفرضها النظام الإسلامي في إيران. وإعجاب بلبنان وبتحرره. وبشاطئه ومسابحه حيث أشار أحدهم إلى أنه رأى، خلال زيارة الصيف الماضي للعاصمة اللبنانية، فتيات بلباس البحر وأخريات بالزي الشرعي الإسلامي يجلس بعضهن إلى جانب بعض. إقرار، نيابة عن الفتيات، بانزعاج بعضهن من ارتداء الحجاب. آمال بالتغيير، ولا عجلة. فالمرحلة مرحلة مواجهة. وفي المواجهات «نتحد يداً واحدة».


جلسات حميمةترى فتاة تتهامس وشاباً إلى طاولة منزوية، باستحياء يشير إلى أنه اللقاء الأول بينهما. وأخرى تجلس بارتياح واضح، تفهم من خلاله بأن العلاقة بدأت تتوطد بينهما.
يمكنك أن تشاهد أيضاً فتاة تجلس وحيدة تنتظر شخصاً لم يأت، أو أنها تبحث عن رفيق بين الحضور. وقد ترى اثنتين تختبئان خلف الزوايا داخل الفندق خشية أن يراهما أحد. وعلى رغم أن اللقاءات الثنائية هي الغالبة، يجمع مقهى فندق «الكوثر» رواداً من نوع آخر: أم وبنتها الكبرى وبعض الأطفال، أو رجال من النزلاء يحتسون فنجان قهوة قبل مغادرتهم في سبيلهم.
ما يجمع رواد المقهى جميعاً، على ما يبدو، أنهم يتحدرون من أسر ميسورة. استنتاج تتوصل إليه من ملابسهم وسلوكهم. بل حتى من نظراتهم وطريقة تعاملهم مع المائدة... والنادل.