أفردت دول الخليج مساحة كبيرة في أعمال قمتها للقضية الفلسطينية وملأت بيانها الختامي بدعوات الى المجتمع الدولي للتصدي لما يتعرض له الفلسطينيون... علماً بأن الخليجيين يملكون القدرة على تنفيذ هذه الدعوات بأنفسهم، ومن دون استجدائها من المجتمع الدولي
رأت قمة دول «مجلس التعاون الخليجي»، في ختام أعمالها في الرياض أمس، أن السبب الحقيقي في تفاقم النزاعات في الشرق الأوسط هو غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية، ودعوا في الوقت نفسه إلى حل الميليشيات العراقية ونزع سلاحها «فوراً»، كاشفين النقاب عن رغبة لدى المجلس في الحصول على التكنولوجيا النووية السلميةوأكد بيان صدر في ختام القمة، التي استمرت يومين وحضرها قادة الخليج الست، أن «غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية والمعاناة الهائلة التي يتحملها الشعب الفلسطيني، والتي فاقت كل حدود التصور، هي السبب الحقيقي في تفاقم النزاعات في الشرق الأوسط وتعدد صورها».
وطالب قادة السعودية والامارات والكويت وقطر والبحرين وعمان المجتمع الدولي بأن يعطي أولوية قصوى للتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وفق قواعد الشرعية الدولية، مشيرين إلى أن الحلول المؤقتة أو التسويات الجزئية ليست كافية أو مقبولة «إذا أريد لهذه المنطقة أن تنعم بالأمن والاستقرار».
وأعلن المجلس «استنكاره الشديد وإدانته لاستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على أبناء الشعب الفلسطيني»، وارتكاب إسرائيل «بحقهم أبشع المجازر الوحشية والتي كان آخرها مجزرة بيت حانون التي ذهب ضحيتها الأبرياء المدنيون من الأطفال والشيوخ والنساء».
وشدد البيان على «وقوف مجلس التعاون الخليجي إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين»، داعياً «المجتمع الدولي إلى تحرك سريع لوضع حد لتلك الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة».
كما نبّه البيان إلى ضرورة «عقد مؤتمر دولي لوضع حد للإجراءات الإسرائيلية التعسفية والأعمال الإجرامية وتفعيل عملية السلام وفق مبادرة السلام العربية (التي قدمتها السعودية في القمة العربية في بيروت عام 2002) وخريطة الطريق وقرارات الشرعية الدولية».
ودعا المجلس الأعلى لقادة الخليج القادة الفلسطينيين إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز الوفاق الفلسطيني والإسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية فلسطينية «تضع في سلّم أولوياتها وحدة الصف بما يؤدي إلى تمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي».
وأكد المجلس أن «السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للبقاء وعاصمتها القدس الشريف، والانسحاب الإسرائيلي من الجولان العربي السوري المحتل إلى خط الرابع من حزيران من عام 1967 ومن مزارع شبعا في جنوب لبنان».
ورحَّب البيان بوقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين باعتباره «خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو الحوار واستئناف عملية السلام». وشدّد على أهمية «التزام الأطراف بهذا الاتفاق، آملاً أن ينهي ذلك أعمال العنف والعنف المضاد ويحقق الاستقرار ويفسح المجال لتأليف حكومة وحدة وطنية فلسطينية، ويساعد على رفع الحصار الجائر المفروض على الشعب الفلسطيني».
وعبّر المجلس الخليجي عن ترحيبه بـ«قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دان إسرائيل بغالبية كبيرة لارتكابها مجزرة بيت حانون»، التي وقعت جراء قصف مدفعي إسرائيلي في الثامن من تشرين الثاني الماضي وسقط ضحيتها نحو 18 فلسطينياً، غالبيتهم من النساء والأطفال.
من ناحية أخرى، وجه القادة الخليجيون دعوة الى «حل الميليشيات فوراً» في العراق، داعين ايران، من دون تسميتها، الى «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق».
وأعرب البيان عن «قلق المجلس الشديد إزاء الانفلات الامني في العراق»، وأكد تأييده للحكومة العراقية في التصدي لهذه الاعمال، رافضاً اي تقسيم لهذا البلد.
كما دعت القمة ضمناً ايران الى عدم «التدخل في الشؤون الداخلية للعراق» من خلال توسيع «نفوذها السياسي او الثقافي» داخل هذا البلد.
على صعيد آخر، اشار البيان الى الموافقة على اجراء دراسة خليجية مشتركة «لإيجاد برنامج مشترك في مجال التقنية النووية للأغراض السلمية».
وبعد ختام القمة، أعلن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، أن الهدف من تنفيذ برنامج نووي خليجي، هو الحصول على التكنولوجيا لأغراض سلمية، مشدداً على تمسك دول مجلس التعاون بأن تكون المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ودعا الفيصل، في مؤتمر صحافي عقده بعد انتهاء القمة، إلى «ألّا يساء فهم ما نصرح به» في شأن استخدام دول مجلس التعاون للطاقة النووية السلمية. ورأى أن «هذا ليس سرّاً ونحن نقوم به علناً، والهدف هو الحصول على التكنولوجيا من اجل الأغراض السلمية لا أكثر ولا اقل، وهذه سياساتنا وسياسة المنطقة: أن تكون خالية من أسلحة الدمار الشامل».
وطالب وزير الخارجية السعودي إسرائيل بـ«الابتعاد عن هذه الأسلحة النووية والتخلي عنها». وقال إن «الخطيئة كانت من قبل، السماح لإسرائيل بالحصول على هذه الأسلحة وإنتاجها لا لإنتاج الطاقة الكهربائية بل أيضاً لإنتاج الأسلحة (النووية). وبالتأكيد نحن لا نزيد إضافة المزيد إلى هذا الجانب».
وقال الفيصل، من جهة أخرى، إن تقرير بيكر ــ هاملتون عن العراق فيه نواح «سلبية»، والمهم هو مدى «تأثيره» على القرارات المقبلة، مؤكداً أن قمة مجلس التعاون الخليجي «ناقشته وحللته».
وأوضح الفيصل أن «الناحية السلبية هي أن التقرير لم يتطرق إلى مسألة التنظيمات المسلحة غير الرسمية من اي جهة كانت، وبالتالي اغفل عنصراً خطيراً». ورأى أن التقرير «حمَّل الحكومة العراقية أوزاراً ثقيلة والكثير من الواجبات، وليس في وسعنا أن نرى كيف لها أن تحقق هذه المتطلبات من دون مساعدة».
كما رأى الوزير السعودي، أن من النواحي الايجابية للتقرير الدعوة «إلى تجديد السياسة التي من الواضح انها لم تؤدّ الى حل في اي مكان»، اضافة الى الاعتراف بمحورية مسألة ايجاد حل للنزاع في الشرق الاوسط.
وذكر الفيصل أن «ورقة عمانية» رفعت الى القمة من اجل توحيد الموقف الخليجي ازاء المخاطر والمتغيرات السياسية التي يمكن أن تشهدها المنطقة، مشيراً الى أن الورقة احيلت إلى البحث في اللجان المختصة من اجل تفعيلها في اسرع وقت.
إلى ذلك، اقرّت القمة مشروع الملك السعودي عبد الله بشأن مستقبل «درع الجزيرة»، المنظومة الدفاعية الخليجية المشتركة.
وكان ولي العهد السعودي الامير سلطان بن عبد العزيز، قد كشف قبل سنة عن اقتراح للمملكة بشأن «درع الجزيرة»، الذي يقضي بأن تشرف كل دولة على وحداتها المخصصة لقوات «درع الجزيرة»، التي يمكن استدعاؤها في حال الضرورة.
ومددت القمة ولاية الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية لثلاث سنوات اضافية.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)