موسكو ـــ حبيب فوعاني
رحل صابر مراد نيازوف من دون أن يختار أحداً لخلافته، بما يفتح باب المجهول على مصراعيه أمام مستقبل تركمانستان، الغنية بالغاز الطبيعي، وأحد مواقع المواجهة الجيواستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين بغرض السيطرة على الطاقة في آسيا الوسطى

أعلنت السلطات التركمانستانية المحلية أمس وفاة صابر نيازوف (66 عاماً)، الذي اشتهر بإصدار قرارات غريبة، من جراء إصابته بنوبة قلبية ليل الاربعاء الخميس، وأن البلاد ستكون في فترة حداد لمدة أسبوع.
بذلك تكون تركمانستان قد فقدت الرجل الذي حكمها 21 عاماً بيد من حديد. وقد عُرف نيازوف، الذي كان في الأصل حاكماً فرضه السوفيات، بلقب «تركمان باشا» أو زعيم كل التركمان، وتنتشر آلاف من صوره وتماثيله في أنحاء البلاد، ومن بينها تمثال مطليّ بالذهب في عشق آباد يدور مع دوران الشمس.
ومن قراراته إعادة تسمية شهر كانون الثاني باسمه الذي أطلقه أيضاً على ميناء بحري ونيزك.
ولطالما أثار الوضع الصحي لنيازوف اهتمام المستثمرين الأجانب، وخاصة في قطاع الطاقة اذ تُعدّ تركمانستان معبراً رئيسياً لتزويد أوروبا بالغاز.
وبعدما أُجريت له جراحة في القلب عام 1997، أقلع نيازوف عن التدخين وأمر جميع وزرائه بالاقتداء به.
وبدا المزاج العام في تركمانستان هادئاً بعد إعلان وفاة الرئيس، لكن البعض عبّروا عن مخاوفهم بشأن المستقبل نظراً لطول فترة حكم نيازوف من دون أن يواجه معارضة في الدولة الصحراوية، التي تقع على ساحل بحر قزوين وعلى الحدود مع إيران وأفغانستان.
ووصل نيازوف الى الحكم عام 1985 عندما كان أميناً عاماً للحزب الشيوعي التركمانستاني، ثم انتخب عام 1992 رئيساً، قبل أن يُصدر مجلس الشعب قراراً بإجماع أعضائه الـ2500 بتعيينه رئيساً مدى الحياة عام 1999.
وقد شجع «تركمان باشا» عبادة شخصيته، وأجبر مواطنيه على دراسة كتابه «روحْ نامِه» (كتاب الروح)، الذي سجل فيه أقواله المبتذلة، وأصبح مادة إلزامية تُدرّس في جميع المدارس إلى جانب القرآن الكريم. وعندما عارض مفتي تركمانستان هذا الامر في آذار عام 2004، ردّ نيازوف بالحكم عليه بالسجن لمدة 22 عاماً.
وفي عهده، أُغلقت أكاديمية العلوم وأكاديمية الطب والمكتبات العامة في الريف «لعدم الحاجة إليها»، ومُنعت الأوبرا والباليه والسيرك والموسيقى الهارمونية.
وبعد منعه المواطنين من زرع أسنان ذهبية، أبلغ نيازوف مذيعي ومذيعات التلفزيون بضرورة الامتناع عن وضع أي مساحيق على وجوههم لأن «الماكياج يجعله غير قادر على تمييز الرجال من النساء على الشاشة الصغيرة».
وسمح الاحتياطي النفطي الذي تملكه تركمانستان لنيازوف بانتهاج سياسة مستقلة عن روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكان الجميع يقومون باسترضائه، ولا سيما أنه قمع الحركات الأصولية الإسلامية، وقام عام 1997 بتبني سياسة «الإقصاء» لجميع الجماعات والمنظمات الدينية، ما عدا تلك التابعة للدولة، كالمجلس السني المسلم وكذلك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وذلك ما أرضى الغرب.
ورغم الثروات الطبيعية الهائلة، يبلغ متوسط دخل الفرد حالياً ما يعادل 80 دولاراً أميركياً في الشهر، فيما يتم إمداد المواطنين مجاناً بالغاز، ويبلغ سعر ليتر البنزين سنتاً واحداً. بيد أن نيازوف ألغى صرف معاشات التقاعد للمسنين، في شهر كانون الأول من العام الجاري، وأشار إلى أن أبناءهم هم الذين يجب أن ينفقوا عليهم.
وأعلن بيان حكومي أمس أن نائب رئيس الوزراء التركماني قربان قولي بردي محمدوف سيتولى رئاسة البلاد بالنيابة بعد وفاة نيازوف. وأضاف البيان إن «السياسات الداخلية والخارجية التي أعلنت من قبل ستستمر. الأمة يجب أن تظل موحدة وثابتة».
وبموجب الدستور، كان من المفترض أن يتولى رئيس البرلمان اوفيزغلدي عطاييف الرئاسة بالنيابة، لكن الأخير يواجه تحقيقاً قضائياً، وبالتالي لا يمكنه تولي مهمات الرئاسة.
وينص الدستور في تركمانستان على تنظيم انتخابات رئاسية «خلال شهرين على أبعد تقدير» من تولي الرئيس بالنيابة مهماته.
وفي واشنطن، أكد البيت الأبيض تصميمه على تطوير العلاقات الثنائية مع تركمانستان من أجل تأليف حكومة «تحقق العدالة» لشعبها، علماً بأن وزارة الخارجية الأميركية وصفت النظام التركماني عام 2005 بأنه «تسلطي» و«يسيطر عليه الرئيس مدى الحياة».
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فدعا، لدى استقباله نظيره الالماني فرانك والتر شتاينماير في موسكو، الى انتقال سلمي للسلطة حفاظاً على «الاستقرار» في آسيا الوسطى.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية «إيتار تاس» عن مصدر دبلوماسي في موسكو قوله إن سيناريوهين «يهددان» تركمانستان، موضحاً أن «أحدهما الشارع، أي إمكان حصول تجاوزات في الشارع، وتفكك القيادة التركمانية».
ويتخوف المحلل السياسي الروسي ألكسندر شاتيلوف من أن تؤدي وفاة نيازوف، عن عمر يناهز 66 عاماً، إلى زعزعة الوضع في تركمانستان، لأن «جميع مسارات الاستثمار والسياسة كانت مرتبطة شخصياً به»، مضيفاً «سيبدأ الآن على الأرجح الصراع على تركمانستان بين ثلاث دول هي روسيا والولايات المتحدة والصين».
ويتوقع نائب رئيس مجلس الدوما سيرغي بابورين أن تشهد تركمانستان صراعاً على السلطة، لكن الصراع المحتمل لن يتطور برأيه إلى ثورة، فيما دعا زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف الروس إلى اليقظة في مرحلة إعادة تقسيم ثروات تركمانستان الطبيعية «لأن الأميركيين يعتقدون بأن كل ما ينمو على الأرض وما يحتويه باطنها يجب أن يكون في خدمتهم، وهم منذ وقت طويل يمدون أيديهم إلى آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين».
ويستبعد المحلل السياسي الروسي فياتشيسلاف نيكونوف أن تتم تسوية مشكلة خلافة نيازوف بالوسائل الديموقراطية، ويرجح صراعاً داخلياً شرساً.