باريس ــ بسّام الطيارة
يتفق جميع المراقبين في فرنسا على أن التجربة النووية الكورية، إن أظهرت شيئاً، فهو عجز الغربيين عن التصدي لدولة مصممة على الحصول على السلاح النووي. ولكنهم يتفقون على أن من أسباب هذا العجز «الاستراتيجية الأميركية المتذبذبة التي يصعب قراءة أجندتها بشكل شمولي وجامع».
ومن المفارقات أن كل التعليقات التي خرجت بها الصحافة الفرنسية، في أبواب التحليل والنقد بعيداً عن قرقعة الصفحات الأولى التي ركِبت موجة الإثارة والتلويح بالخطر الكوري، ركزت على «سلة الحوافز التي قدمتها الدول الست في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون»، والتي ساهمت في تجميد البرنامج النووي الكوري قبل أن يعمد خلفه جورج بوش، فور وصوله إلى الرئاسة في العام ألفين، إلى إلغائها.
ويرى المراقبون في هذا الأمر «مسلسلاً درامياً» بُني على تدرج ردات الفعل التي قادت إلى «خطوة فرض الأمر الواقع من طرف بيونغ يانغ». فقد نكست إدارة بوش بالوعود التي قدمتها إدارة كلينتون، وردت كوريا الشمالية بالانسحاب من المعاهدة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية.
وبعد جهود مضنية للعودة إلى طاولة المفاوضات، فرض الكونغرس الأميركي «عقوبات مالية على النظام الكوري الشمالي كانت بمثابة خنق لاقتصاد منهار أصلاً»، وهو ما أعاد بيونغ يانغ إلى سياسة القطيعة والتحدي.
ويرى مصدر متابع للملف الكوري الشمالي في باريس أن واشنطن أخطأت في عدم قراءة خطوات بيونغ يانغ التصعيدية من باب «الدعوة إلى الحوار»، ولكنه يستطرد قائلاً إن «السياسة الأميركية في هذا الملف مبهمة». ويربط ذلك بتعدد الملفات المرتبطة بالمسألة الكورية وبتقاطع مجموعة من الاستراتيجيات المتناقضة الأهداف.
ودفعت التجربة النووية الكورية بالملف الإيراني إلى دائرة الضوء في ظل تضارب في الآراء حول أفضل السبل لمعالجته، وسط تخوف فرنسي «من أن تغتنم واشنطن الفرصة للضغط في اتجاه مزيد من التشدد»، وهو ما يصفه البعض بأنه «الطريق الذي لا يجب سلوكه». وترى الأوساط الفرنسية أنه «لا تشابه بين المسألتين النوويتين الإيرانية والكورية الشمالية». ففي حين تعيش كوريا الشمالية في شبه عزلة تامة، فإن لإيران دوراً فعالاً في المنطقة وتسعى لتبوؤ دور مؤثر في شؤونها. ولا يرى المراقبون أي توازٍ في الاستراتيجيات المعلنة للبلدين، وخصوصاً في ظل وجود «تفاوت كبير بين اقتصاد البلدين». فإيران، حسب رأيهم، تسعى للاستفادة من الثروة النفطية «لبناء قدرات تقنية نووية» بينما تسعى بيونغ يانغ إلى «الخروج من أزمة اقتصادية خانقة ــ ويقول البعض كارثية ــ عن طريق التلويح بالقوة النووية» للحصول على مساعدات.
ويشدد المراقبون على أن الخطر من جراء التجربة النووية الكورية يكمن في انطلاق سباق تسلح في الشرق الأوسط للحصول على «وضعية الردع الشامل» ويعطون جردة بالدول التي يمكن أن تنطلق في «هذه المغامرة»، وهي إذا حصلت إيران على السلاح النووي: السعودية وتركيا لأسباب جيوسياسية، وخصوصاً، حسب قول البعض، «في ظل غياب الثقة بالسياسة الأميركية وبصدقية واشنطن»، ومصر التي تحاول «العودة إلى صف الدولة المحورية في المنطقة». كما أن الحديث عن المسألة النووية الإيرانية ودخول بيونغ يانغ النادي الدولي أعاد مسألة امتلاك إسرائيل للسلاح النووي إلى واجهة الأخبار بشكل محرج جداً للنظام المصري الذي كان من دعاة دفع العرب على التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في سياق تطبيق فروع اتفاق «كامب ديفيد».