محمد بدير ومهدي السيد
أشعلت التجربة النووية الكورية الضوء الأحمر الإسرائيلي، ورفعت مستوى المخاوف لدى الدولة العبرية إزاء إمكان أن يشكل الحدث عاملاً محفزاً لإيران لتسريع برنامجها النووي، مستفيدة من انكشاف الضعف الدولي أمام الحزم الكوري.
وإذ أعربت تل أبيب عن خشيتها من زيادة التعاون بين كوريا وإيران على الصعيدين النووي والصاروخي، أملت في الوقت نفسه أن يشكل التفجير النووي الكوري محطة يتوقف عندها المجتمع الدولي ليعيد النظر في طريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني لجهة حسم التردد وإبداء القدر اللازم من التصلب والتصميم.
ودانت إسرائيل، في بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية، التجربة النووية الكورية وعدَّتها «عملاً استفزازياً وعديم المسؤولية يهدد الاستقرار الإقليمي في شمال شرق آسيا». ودعا البيان كوريا الشمالية إلى «التراجع عن كل ما يزيد خطورة الوضع»، وناشد «المجتمع الدولي لأن يعمل بحزم على تطبيق قرارات مجلس الأمن بشأن أسلحة الدمار الشامل وبشأن خطر انتشار السلاح النووي».
وأعربت متحدثة باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، عن خشية تل أبيب من أن تشكل التجربة الكورية سابقة خطيرة تدفع إيران إلى المضي قدماً في برنامجها النووي. ورأت ميري آيزن أن «القدرة النووية في أيدي أنظمة غير ديموقراطية وغير مسؤولة هي مشكلة عالمية»، مشيرة إلى امتلاك بيونغ يانغ صواريخ قادرة على الوصول إلى أوروبا وإسرائيل، وإلى أنها أبدت استعدادها في السابق لتزويد إيران أسلحة كهذه.
بدوره، دعا نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، شمعون بيريز، المجتمع الدولي إلى حسم تردده في فرض عقوبات اقتصادية فعالة على كل من إيران وكوريا، مشيراً إلى أن استمرار التردد «سينعكس سلباً على احتمال التصدي لبرامج البلدين النووية، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى تغليب الخيار العسكري ضدهما». ورداً على سؤال في مقابلة أجرتها معها الإذاعة الإسرائيلية، قال بيريز إن إسرائيل تملك «خياراً نووياً» وإنها «تحتفظ بقوتها الرادعة بفضل المفاعل النووي في ديمونا» من دون أن يقدم إيضاحات إضافية.
وامتازت ردود الفعل الإسرائيلية على التجربة النووية الكورية بالربط الذي شددت عليه مع البرنامج النووي الإيراني لجهة اتخاذ الأولى منطلقاً للتحريض على الثاني. وعبر مصدر سياسي إسرائيلي عن هذا التوجه قائلاً: «إن تجربة كوريا الشمالية من شأنها أن تؤثر أيضاً على الشرق الأوسط، فإذا لم يقم المجتمع الدولي بعملية حازمة ضد إيران فمن الممكن أن نجد أمامنا سيناريو مشابهاً لما حدث في شمال كوريا». ورأى المسؤول الإسرائيلي، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، أن «فرض عقوبات اقتصادية على إيران بات أمراً أكثر إلحاحاً بعد إعلان بيونغ يانغ إجراء تجربة نووية، وذلك لمنع إيران من الاقتداء بكوريا الشمالية».
وكان للتخوف من توثيق التعاون بين كوريا وإيران في مجال الأسلحة غير التقليدية نصيبه في ردود الفعل الإسرائيلية، حيث رأى وزير البنى التحتية، بنيامين بن إليعيزر أن «التفاعل بين البلدين خطير»، فيما تحدث المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، دان غيلرمان، عن الخشية من أن تتعاون كوريا مع كل من إيران وسوريا على المستوى النووي والصاروخي «رغبة منها في تعزيز الشر حيال الولايات المتحدة».
إلا أن مواقف إسرائيلية توقفت عند ما رأته «بقعة الضوء» في الحدث النووي الكوري، إذ إن من شأنه أن يشجع العالم كثيراً للعمل ضد «سباق التسلح الإيراني». ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن «مصادر سياسية» قولها إن «التجربة الكورية الشمالية قد تؤدي إلى تليين الموقف الروسي الرافض لفرض عقوبات دولية على إيران بسبب مشاريعها النووية»، وأشارت إلى أن «أولمرت سيثير هذه القضية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لموسكو الأسبوع المقبل».
وذكّرت تقارير إسرائيلية بالاجتماع المقرر أن يعقده أولمرت مع رؤساء الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية يوم غد «لتدارس المستجدات الخاصة بقضية الملف النووي الإيراني، ولا سيما انعكاسات التجربة النووية الكورية الشمالية على إمكانات إيران في الحصول على قدرات نووية».
وفي السياق نفسه، شكل الحدث النووي الكوري قضية اليوم في الصحف الإسرائيلية الصادرة أمس، التي توقفت في تعليقاتها وتحليلاتها عند دلالات الحدث وتداعياته على المستويين الدولي والشرق أوسطي. ورأت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها، أن بيونغ يانغ خطت، بتجربتها النووية «خطوة بعيدة وخطيرة نحو الأمام»، ورأت أنه «إذا كانت كوريا الشمالية تستطيع تحدي النظام العالمي وتبقى من دون عقاب على فعلتها، فلا يمكن الاعتقاد بأن الدولة الثالثة في محور الشر (إيران) ستخاف وترتدع وتوقف نشاطاتها الجادة في تطوير القدرة النووية، بل إنها قد تسعى إلى تحفيز مساعيها والعمل بجدية أكثر من أجل ذلك بما فيها إمكان ارتباطها بحلف مع كوريا الشمالية، باعتبارها واحدة من أهم الدول التي تزودها الصواريخ، وأن يكون ذلك تحالفاً استراتيجياً يشمل بيعها سلاحاً نووياً من مخزونها».
أما «يديعوت أحرونوت» فكتبت افتتاحيتها تحت عنوان «البلوى تأتي من الشمال»، في إشارة إلى آية توراتية تفيد بأن المصائب التي ستواجهها إسرائيل مصدرها حدودها الشمالية. وجاء في المقالة أنه «يتعين على الجميع في إسرائيل أن يشعروا بالقلق لأن الخوف على حياتنا ازداد كثيراً». ويضيف: «إن كوريا الشمالية خطرة علينا لأنها قبل كل شيء تستخف وتهزأ بالعالم، وخصوصاً الولايات المتحدة، وتعمل في المجال النووي ما تريد. لكن الخطر الأساسي الأكبر ناشئ من كون إيران الأقرب منا من الناحية الجغرافية، تتعلم الدرس من كوريا الشمالية وتسير في أعقابها. وبكلمات أخرى: إذا لم يتخذ العالم إجراءات تضر بكوريا الشمالية، فإن إيران ستفهم بأن الأمر يتعلق بنمر غربي من ورق، لا أكثر».