دخل هاجس معارضة الحرب في العراق «الدائرة المحظورة» التي تحيط بالقرار الأميركي ــ البريطاني، فوصل الى قائد الجيش البريطاني، الذي دبّ صوت المعارضة في منطقة «السند»، التي يوكل اليها المستوى السياسي تنفيذ الحرب بإخلاص، وطالما كانت مدعاة طمأنينة لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، وبمنأى عن المعارضة التي تستفحل في بلاده، ليحدث هزة تضاف الى السلبية في الموقف الشعبي، وانكساراً يزيد من الانكسار المعنوي لضباط جيش الاحتلال البريطاني وجنوده في العراق.فقد رأى رئيس هيئة أركان الجيش البريطاني ريتشارد دانات أن القوات البريطانية المنتشرة في العراق يجب أن «تُسحب سريعاً». وقال دانات، لصحيفة «دايلي ميل»، في عددها الصادر أمس، «لا أقول إن الصعوبات التي نواجهها في العالم هي بسبب وجودنا في العراق، ولكن ليس هناك أدنى شك بأن وجودنا في العراق قد فاقمها». وأضاف «نحن في بلد مسلم، ورأي المسلمين حيال وجود أجانب في بلدهم واضح جداً». وتابع «بوصفكم أجانب، فأنتم مرحّب بكم إذا دعيتم (لزيارة البلد)، ولكن لم نكن بالتأكيد مدعوّين لزيارة العراق في تلك الفترة».
وأوضح الجنرال البريطاني «أعتقد أن التاريخ سيبيّن أن التخطيط لما حدث بعد النجاح المبدئي في مرحلة القتال في الحرب كان سيئاً، وربما استند الى التفاؤل أكثر منه إلى التخطيط السليم»، محذراً من أن تكليف الجيش البريطاني بمهمات في العراق تفوق طاقته قد يؤدي «الى انكساره». وأضاف «مهما كان الشعور الذي استقبلنا به في الماضي، لقد تحول بشكل كبير الى تعصّب ونقمة مفرطة».
بيد أن دانات عاد وخفّف أمس من وقع تصريحاته التي تحرج حكومة بلير وإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، فأجرى سلسلة مقابلات تلفزيونية وإذاعية، في محاولة لتهدئة العاصفة السياسية التي أثارها، ورأى أن تصريحاته أخرجت من سياقها، من دون أن ينفيها.
وقال دانات، لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أمس، «لم يكن قصدي أبداً إحداث هذه الجلبة التي استمتع بها الناس تماماً في الليلة الماضية وهم يحاولون التلميح بأن هناك شقة خلاف بيني وبين رئيس الوزراء (بلير)». وأشار الى أن «القوات البريطانية مستهدفة في بعض الأماكن، إلا أنها تقدم فوائد في أماكن أخرى»، مشدداً على أنه لا يقترح انسحاباً فورياً. وأضاف «انني جندي. ونحن لا نستسلم، سنكمل هذه المهمة حتى النهاية.» لكنه استطرد «لديّ جيش أرعاه سيحقق النجاح في العمليات الراهنة. لكني أريد جيشاً خلال خمس سنوات وعشر سنوات. دعونا لا نستهلكه في هذه المرة. دعونا نضع الوقت نصب أعيننا».
وذكر المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني أمس أن الأخير لا يزال على «دعمه الكامل» لرئيس هيئة أركان الجيش، رافضاً وجود أي خلاف بين الرجلين. وأضاف «تقوم سياسة الحكومة على تأليف حكومة ديموقراطية منتخبة في العراق وبات لدينا ذلك، إننا ندعم هذه الحكومة التي انتخبت في شكل ديموقراطي وسندعها تقرر الوقت الذي تصبح فيه قادرة على تولي المسؤولية الأمنية»، موضحاً أن «الجنرال يعبّر حالياً عن سياسة الحكومة».
وأعلن البيت الأبيض أمس أنه طلب من لندن توضيحات حول تصريحات دانات، معرباً عن اقتناعه بأن «لا خلافات في وجهات النظر» بين واشنطن والعاصمة البريطانية. ونفى المتحدث طوني سنو أن تكون الإدارة الأميركية قد مارست ضغوطاً على الحكومة البريطانية كي يتراجع الجنرال البريطاني عمّا أورده. وقال «اتصلنا وطلبنا أن نعرف ما قال فعلاً، وتلقينا نسخة من أقواله». وتابع «أشار (الجنرال البريطاني) الى أن تصريحاته اقتطعت من مضمونها العام، وما أراد أن يقوله هو أننا سنسلم السلطة للعراقيين عندما ننجز المهمة». وأضاف «ما أراد قوله في شكل عام هو أن لا خلاف في وجهات النظر بينه وبين حكومة بلير أو بين بريطانيا والولايات المتحدة وأن الأمر ليس دعوة لمغادرة البلاد، وأن البريطانيين لا يزالون يرغبون بالانتصار في العراق».
وفي السياق، رأى زعيم حزب «الديموقراطيين الأحرار» البريطاني المعارض مانزيس كامبيل أمس أن سياسة حكومة بلاده حول العراق «تنهار الآن قرميدة بعد أخرى». وأضاف أن «الجنرال دانات تحدث عن أشهر لا سنوات لسحب القوات البريطانية من العراق»، معتبراً تصريحاته بمثابة «قضية هائلة ضد السياسة الخارجية التي تتبناها الحكومة».
في هذا الوقت، هدّد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنصاره أمس بأنه «سيتبرأ» منهم إذا كانوا من «المعتدين على الشعب العراقي، بغير حق» داعياً إياهم الى «استغلال فرصة شهر رمضان للتوبة».
وأفاد بيان أصدره مكتب الصدر أنه «قد شاع بأن هناك مجموعات أو أفراداً من (جيش المهدي) تعتدي على الشعب العراقي بغير حق ولا كتاب منير. وإن كان لم يثبت ذلك، إلا أنه إذا ثبت فإني سأذيع الأسماء وأتبرأ منهم دون خوف أو وجل».
على صعيد آخر، أعلن رئيس «الجبهة التركمانية العراقية» النائب سعد الدين اركيج أمس تأليف لجنة برلمانية للنظر في بنود مادة دستورية مثيرة للجدل حول تطبيع الأوضاع في كركوك بين القوميات الثلاث: العربية والكردية والتركمانية.
ميدانياً، قتل عشرة عراقيين أمس بينهم ضابطان، كما أصيب العشرات، في هجمات متفرقة، فيما أعلن مصدر، في شرطة بلدة الضلوعية في محافظة صلاح الدين، العثور على 14 جثة لعمال بناء خطفوا أول من أمس في المدينة. كما أعلن الجيش الأميركي أمس مقتل أحد جنوده شمال بغداد، ما يرفع عدد قتلى الجيش منذ مطلع الشهر الجاري الى 43 جندياً.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي، أ ب)