strong>إذا أردت أن تعرف كيف تفكِّر «المحاكم الإسلامية»، تلك القوة المتصاعدة في الصومال وتسيطر على العاصمة مقديشو ومناطق أخرى منذ أكثر من ثلاثة شهور، فعليك أن تسأل الشيخ حسن ضاهر عويس، ليس فقط لأنه رئيسها ومرشدها الروحي، ولكن أيضاً لأنه بات «الملك غير المتوَّج» في الصومال، ويعرف اتجاهات «المحاكم» واستراتيجيتها. حاوره:خالد محمود رمضان

في حديث خاص لـ«الأخبار»، بدا الشيخ حسن ضاهر عويس طموحاً، ليس فقط لإقامة دولة إسلامية فى البلد الذي دمرته الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت عقب سقوط نظام حكم الرئيس المخلوع محمد سياد برى عام 1991، بل يصل طموحه إلى تغيير الدستور المؤقت للصومال على نحو يسمح للمحاكم الإسلامية بتكريس وجودها السياسي كأهم فصيل خارج السلطة الانتقالية التي لا تسيطر سوى على معقلها الصغير فى مدينة بيداوة الجنوبية الشهيرة باسم «مدينة الأشباح».

■ حدث قبل أيام لقاء سري بينكم وبين أعضاء من البرلمان الصومالي، ما الهدف منه؟
- التقيت للمرة الأولى مجموعة من أعضاء البرلمان وتحدثنا عن كيفية تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة. ويمكن القول إن اللقاء كان بهدف ترطيب الأجواء بين المحاكم الإسلامية والسلطة الانتقالية.

■ هل يمهد هذا اللقاء لمصالحة بينكم وبين الرئيس الانتقالي عبد الله يوسف ورئيس وزرائه على محمد جيدي؟
ـــ لم يعرضوا علينا هذا الأمر، ولكن قالوا إنه من الممكن المصالحة بين المحاكم الإسلامية والدولة الصومالية واحترام شرعية الدولة، ونحن مستعدون للاتفاق متى توافرت الإرادة السياسية للحكومة.

■ هل أنت متفائل بشأن محادثات الخرطوم التي تتواصل منذ يوم السبت فى السودان؟
- أنا بطبيعتي متفائل ونأمل حدوث اتفاق، لكن ما نخشاه هو استمرار التدخلات الإثيوبية، وهذه التدخلات ليست في صالح القضية الصوماليةهل تتوقع أن تسفر محادثات الخرطوم عن اتفاق لتقاسم السلطة؟
- هناك أشياء يجب حسمها قبل الحديث عن تقاسم السلطة، مثل التدخل الإثيوبي وانضمام أمراء الحرب إلى السلطة الانتقالية بعدما أخرجتهم المحاكم الإسلامية من العاصمة مقديشو إضافة إلى موضوع الدستور وشكل السلطة التي تتولى حكم البلاد. الصوماليون يتفهم بعضهم بعضاً جيّداً إذا لم يكن هناك أي تدخل خارجي وأعتقد أن أثيوبيا تمارس ضغوطها لمنع التوصل إلى أي اتفاق ينهى حالة الفوضى الراهنة فى الصومال.

■ هل أفهم من كلامك أنك تطالب بتعديل الدستور الذي أقر قبل أكثر من عامين فى كينيا؟
- نعم. لكنه يجب أن يتم فى إطار مصالحة شاملة، وإعادة الاتفاق لا تكون من طرف واحد ولا بد من وجود حد أدنى لهذا الاتفاق تماماً كما حدث في عهد الحكومة التى تولاها الرئيس السابق عبد القاسم صلاد حسن.

■ إذن أنت تريد تغيير الدستور؟
- لست أنا وحدي الذي يتحدث عن ذلك الموضوع. المصالحة يجب أن تكون موضوعية ومن الطبيعي أن تسفر عن دستور جديد ووضع آخر فى الصومال.

■ الرئيس الانتقالي اتهم الجامعة العربية بالانحياز لكم، هل تشعر بأن الجامعة تتبنى وجهة نظركم؟
- «منظمة الإيغاد» نفسها منحازة للسلطة الانتقالية برئاسة عبد الله يوسف. واذا كان الجانب الآخر يتعاطف مع المحاكم، فلا بأس في ذلك. الأفارقة لا يريدون تدخل العرب فى قضية الصومال و«الإيغاد» تعمل فى هذا الاتجاه، هم يريدون أن تخرج القضية من أيدي العرب. نحن بدرونا ننتقد تملّص العرب سابقاً من الملف الصومالي وتسليمه إلى هذه المنظمة التي تعمل، من وجهة نظرنا، ضد مصالح الشعب الصومالي. لدينا قناعة بأن هذه المنظمة تعمل ظاهرياً من أجل السلام لكنها تضمر أشد أنواع العداء لعملية السلام فى الصومال.

■ واشنطن أعلنت أنها تراقب أداء المحاكم الإسلامية، هل أنت معني بهذا الموقف؟
- نحن كنا نتوقع أن يعطى العالم، وليس فقط أميركا، جائزة لما فعلناه ولم يستطيع العالم فعله. أميركا تعادينا عادة لما حدث عام 2001 وبسبب تخوفها مما يسمّّى الإرهاب أو أن تكون فى الصومال دولة إسلامية. هذه المخاوف تبددها تصرفات المحاكم الإسلامية التي نجحت فى فرض الأمن والقانون فى مقديشو للمرة الأولى منذ سقوط نظام حكم الرئيس المخلوع محمد سياد برى. وإذا عادت الإدارة الأميركية إلى صوابها فهذا تطور جيد وإيجابي نقدره ونأمل أن تتطور العلاقات لاحقاً مع واشنطن.

■ ماذا عن علاقتكم المتوترة مع كينيا؟
- كينيا لعبت فى السابق دوراً حيوياً ومحورياً فى عملية السلام، لكنها فى الفترة الأخيرة اتخذت مواقف ضدنا. طبعاً هي لم تعاملنا كما تفعل إثيوبيا لكن لدينا ملاحظات على سياستها ولهذا السبب أوفدت إلى هناك الشيخ شريف شيخ أحمد (الرجل الثاني فى المحاكم الإسلامية ورئيسها السابق) لإجراء محادثات مع الرئيس مواي كيباكي وكبار مساعديه حول ملاحظاتنا فى هذا الصدد.

■ تتهمكم الحكومة بتلقّي دعم مالي وعسكري من بعض الدول العربية واريتريا، فبمَ تعلقون؟
- هذه مزاعم كاذبة لا أساس لها من الصحة ونتحدى الحكومة أن تقدم دليلاً واحداً على صحتها. الحكومة تدعي ذلك من أجل التغطية على حقيقة الوجود العسكري الإثيوبي فى الصومال وعلى حقيقة أن الحكومة فى بيداوة تخدم مصالح اثيوبيا أكثر من مصالح الصوماليينهل ما زلت تعارض خطة نشر قوات حفظ السلام الأفريقية؟
- نعم. ونعتقد أنها لن تساهم فى تحقيق الأمن والاستقرار بل قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية جديدة. كل تجاربنا السابقة مع القوات الأجنبية كانت مريرة ودامية كما حدث عندما خرجت القوات الأميركية التي كانت تعمل مطلع التسعينيات (من القرن الماضي) ضمن قوات القبعات الزرق فى إطار ما سمي وقتئذ «عملية إعادة الأمل».

■ هل ستقاوم هذا القوات لو دخلت بالفعل؟
- نعم. هذا من حقنا. وكما قلنا إننا سنهاجم الوجود العسكري الإثيوبى، فإننا لن نتوانى عن مهاجمة أي قوات أجنبية لأننا سنعدّها قوات غازية تجب مقاومتها بشتى الطرق والوسائل.

■ لماذا تأخرت فى القيام بجولة عربية؟
- أعتقد أن هناك ضغوطاً أميركية على بعض العواصم العربية. الأميركيون لا يريدون لنا أن نتواصل مع العرب ويسمّمون الأجواء عبر نشر دعايات كاذبة حول تورطنا فى قضايا إرهابية مزعومة لا أساس لها من الصحة. وأنا شخصياً مستعد لزيارة أي عاصمة عربية متى تلقيت دعوة رسمية.

■ لماذا يفعل الأميركيون ذلك؟
- يفعلون ذلك بهدف التشويش علينا ومحاصرتنا. وأظن أنه ينبغي أن يتجاوز العرب هذه الضغوط وأن يفتحوا أبوابهم أمامنا وأن يعينونا على ما نحن فيه. نحن بوابة العرب إلى أفريقيا ولا أحد يستطيع تغيير هذه الحقيقة.

■ هل تلقيت دعوة لزيارة القاهرة؟
- لا. لكني أدين لمصر بالكثير من الفضل على المستوى الشخصي. لقد تلقيت تعليمي فى مدارس مصرية فى الصومال. والمصريون لعبوا تاريخياً، دوراً إيجابياً لصالح قضية شعبنا. في وقت من الأوقات كانت لدينا 42 مدرسة مصرية. ونريد إعادة هذا الزخم مرة أخرى، وإعادة هذه العلاقة قوية كما كانت لصالح العرب جميعاً.

■ هل أنت راض عن تصرفات بعض قادة المحاكم التي تعطي صورة متشددة عنكم؟
- لم أسمع عن هذا، أعطني مثلاً.

■ حسناً، ماذا عن منع دور العرض السينمائي كعقاب لسكان مقديشو ؟
- هذا ليس عقاباً. بل تهذيب مصدره من الشريعة الإسلامية للحديث النبوي الشريف (من رأى منكم منكراً فليغيره). ولم يصدر أي قرار رسمي من المحاكم فى هذا الصدد. لكن ربما بعض الشباب يقوم ببعض التصرفات انطلاقاً من هذه الخلفية ولا يمكننا لومهم إنما إصلاحهم وهذا ما نعتزمه.

■ هل تنوى تحريم الموسيقى والسينما؟
- أنت تعلم أن الصومال بلا دولة، وقد تسربت أفلام خليعة وبغيضة إلى أيدي الشباب ولا بد من وقف هذا لأنه يمثل عملية تخريب للشباب. ربما أنت تذكر ما حدث فى قضية منع مشاهدة مباريات كأس العالم، وقتئذ كانت هناك امتحانات دراسية وكان لا بد من التنظيم حتى لا تشغل الكرة الشباب ويضيع مستقبلهم. وحتى الآن لم نصدر أي قرار بمنع أو تحريم الموسيقى والسينما ولكن الشريعة الإسلامية ترفض الأشياء التي لا فائدة منها وعلينا إصلاح وتقويم بعض هذه الأشياء. الإسلام الطبيعي الذي نريده هو إقامة الواجبات. وقد يرى البعض أن هذه الأمور غير صالحة لوطننا ومجتمعنا فى الوقت الراهن. سيأتي يوم يستقيم فيه الأمر و«ما يصلح يمشي» وما لا يصلح يتم وقفه.

■ البعض يقول إنكم على خطى تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» الأفغانية سابقاً؟
- لا هذا غير صحيح. تجربتنا تختلف عنهما وليس لنا علاقة من قريب أو من بعيد بـ«القاعدة» رغم المحاولات الأميركية الزعم بوجود نوع من الارتباط في ما بيننا، لكنني أؤكد لكم أنني لست المُلاّ عمر ولن أكون.

■ لكن طريقتكم فى تسيير شؤون العاصمة والتشدد الذي تفرضونه على سكانها يشبه إلى حد كبير ما فعلته «طالبان» في كابول؟
- ربما كان هناك بعض أوجه الشبه. لكن ذلك لا يعني أنه تمت عملية استساخ وأننا نتبع خطاهم. هم لهم تجربتهم ونحن لنا تجربتنا وثمة فوارق موضوعية كبيرة بيننا.


اقتراح صومالي لتوحيد القوات المسلحة
اقترحت الحكومة الانتقالية الصومالية، في اليوم الثاني من مفاوضات السلام برعاية الجامعة العربية في الخرطوم أول من أمس، على المحاكم الشرعية الإسلامية توحيد القوات المسلحة للجانبين، في وقت لا يزال الطرفان فيه منقسمين حول اقتراح نشر قوات إقليمية للسلام لتعزيز سلطة الحكومة المركزية.
ولم يرد الإسلاميون فوراً على اقتراح الحكومة “إنشاء قوة مسلحة صومالية يمكن أن تتألف من جيش وشرطة يضمان قوات تابعة للحكومة الانتقالية ولاتحاد المحاكم”، مجددين رفضهم وجود قوات اثيوبية. وقالت الحكومة، في اقتراحها، إن الصومال “يجب أن تتعايش بسلام مع جيرانها، وعلى جيرانها ألا يقوموا بأي تدخل. عليهم ألا يتدخلوا في الشؤون الصومالية، وإلا فسنعود إلى غياب الاستقرار”.
في هذه الأثناء، قتل 12 شخصاً وأصيب 11 آخرون، أمس في مدينة بيداوه، مقر الحكومة الانتقالية الصومالية، في مواجهات بين ميليشيات ورجال شرطة للسيطرة على المطار. وقال مسؤول شرطة بيداوه عمر عبدل: «قتل 12 شخصاً، سبعة من عناصر الميليشيات وخمسة من رجال الأجهزة الأمنية للحكومة”.
(أ ف ب)


الشيخ عويس مطارد من أجهزة الاستخبارات الأميركية والإثيوبية بتهمة تورطه في «أعمال إرهابية» استهدفت مصالح الطرفين في التسعينيات من القرن الماضي. عمل في السابق ضابطاً في جيش سياد بري قبل انهياره. ثم وجد ملاذه في التبحر في علوم الدين. ويعزى إليه الفضل في تأسيس «المحاكم الإسلامية» عام 1994.