برلين – غسان أبو ملحم
تراهن الأجهزة الأمنية الألمانية، حسبما نقلته صحيفة «دي فيلت» عن مصادر أمنية، على «تحقيق تفهم وتفاهم» حول إمكان التخفيف من حدة التطرف وتأمين جميع المستلزمات والضرورات الحياتية التي تسهّل عملية الاندماج المجتمعي بين جميع الديانات الموجودة على الأراضي الألمانية
تلبي الروابط والجمعيات الإسلامية في ألمانيا اليوم دعوة موجهة من وزارة الداخلية الألمانية لعقد مؤتمر إسلامي في برلين يهدف إلى تحقيق مطالب الجاليات الإسلامية في ألمانيا، والتي يتجاوز عددها ثلاثة ملايين مسلم، معظمهم من الرعايا الأتراكوعشية انعقاد هذا المؤتمر الإسلامي الفريد من نوعه (كون الدعوة لعقد هذا المؤتمر موجهة من وزارة الداخلية الألمانية وليس من مرجعية دينية)، نقلت صحيفة «دي فيلت» عن مصدر في مركز الاستخبارات الألمانية في مدينة كولونيا قوله إن المؤتمر الذي يضم، إلى جانب ممثلي وزارة الداخلية الألمانية، المجلس الإسلامي المركزي والعديد من الجمعيات والروابط الإسلامية في ألمانيا، يهدف إلى «تأمين أفضل صيغ التعاون والتفاهم التي بإمكانها امتصاص حالات التطرف والأصولية وتأمين الاندماج والعيش المشترك بين أبناء الديانات المتعددة على الأراضي الألمانية».
ويراهن المصدر الأمني لـ«دي فيلت» على قدرة المؤتمر على «امتصاص نقمة المتطرفين الإسلاميين من خلال الاستماع إلى مطالبهم والحوار والتعاون مع المراجع الأمنية بهدف تأمين ما هو ممكن ومتوافر من الاحتياجات لممارسة كامل العادات والتقاليد والطقوس والشعائر الدينية بحرية تامة». ولفت المصدر الأمني الى أن «فشل المؤتمر سيؤدي بالضرورة إلى تصاعد تدريجي لحركات التطرف والعنف في ألمانيا».
يذكر أن وزير الداخلية الاتحادي ولفغانغ شويبله وجّه دعوة إلى خمس جمعيات إسلامية معروفة بنهجها «الليبرالي»، وهي المجلس الإسلامي المركزي والمجلس الإسلامي التركي والجمعية العلوية والمجلس الاستشاري الإسلامي والجمعية الإسلامية الثقافية، إضافة إلى خمس شخصيات مسلمة مستقلة، وذلك للمشاركة في أعمال المؤتمر الذي ينعقد في أحد أجنحة قصر «شارلوتنبورغ» وسط برلين.
ويتعرض «المؤتمر الإسلامي الأول» للحوار بين «الأمن والمؤمنين» إلى انتقادات بعض الجمعيات الإسلامية في ألمانيا بسبب استبعاد «صاحب الدعوة أي وزارة الداخلية» لأكبر الجمعيات الإسلامية التركية، وهي جمعية «ميللي غورو»، بحجة «نهجها المتطرف» ووضعها تحت «الرقابة الأمنية». وقد أحدث هذا الاستبعاد رد فعل سلبياً في الأوساط الإسلامية التركية، ولا يعرف حتى الآن كيف ستتم صيغة مشاركتها في أعمال هذا المؤتمر. وإحدى النقاط السلبية التي يسجلها المجلس الإسلامي المركزي في ألمانيا تتمثل في اختصار كلمات الجمعيات الإسلامية بخمسة مراجع دينية إسلامية معروفة بنهجها «الليبرالي»، ما يعني – بحسب مصادر المجلس – أن وزارة الداخلية الألمانية اختارت للحوار من يناسبها، وليس الفئات التي لديها مطالب وتطالب بالاستماع الجاد إلى هذه المطالب.
ورداً على هذه الملاحظات، أشار شويبله أمس إلى أن المطلوب من الجمعيات الإسلامية على الأراضي الألمانية الإدراك أن انعقاد «المؤتمر الإسلامي» يتم في إطار القوانين الألمانية وليس في إطار «الشريعة الإسلامية». وقال شويبله إن «هذا المؤتمر لن يبحث في حالات الجو، بل يهدف إلى تنظيم العلاقة بين المسلمين والدولة الألمانية، وهذا يعني أن انعقاده يجب أن ترعاه أرضية قانونية واحدة وصلبة».
تجدر الإشارة إلى أن بعض الجمعيات الإسلامية في ألمانيا وجهت، في بيان لها، انتقادات إلى صيغة «المؤتمر الإسلامي الأول» ومضمونه، تناولت الغموض الذي يحيط بأهدافه، بينما رأت جمعيات إسلامية أخرى أن المؤتمر يؤسس لوضع «حجر أساس» صلب للتعاون ويؤسس لحوار مفتوح، ولاحقاً إلى اعتماد الديانة الإسلامية ديانة رسمية في ألمانيا، لها وجودها القانوني المستقل، إلى جانب الديانتين المسيحية واليهودية.
ويبلغ عدد الجمعيات والروابط الإسلامية في ألمانيا حوالى 2500، ولها مراكز ومقرات ومساجد في جميع المدن الألمانية. المعروف أن معظم «النشاط الديني الإسلامي» في ألمانيا يخضع بقوة وسرية إلى رقابة الأمن الألماني، وخاصة منذ أحداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة، التي تبين أن منفذيها هم من الطلاب المتطرفين، الذين عرفوا بـ«خلية هامبورغ» بقيادة الطالب المصري محمد عطا، وكانوا على اتصال بتنظيم «القاعدة» وتدربوا في أفغانستان ثم نفذوا عملهم الإجرامي من دون أي ملاحظة مسبقة لنشاطهم من قبل الأجهزة الأمنية الألمانية.
ونقلت «دي فيلت» تقريراً حديثاً صادراً عن جهاز الاستخبارات الألماني، بعنوان «أشكال الإطلالة الجديدة للإسلاميين في ألمانيا»، يفيد أن توجهات الإسلاميين المتطرفين هي لضرب وتعطيل الحريات الديموقراطية التي تنظم الحياة وعلاقات الناس على الأراضي الألمانية وأن المطلوب هو منع وشلّ قدرة المتطرفين على التنظيم والاجتماعات التي تجري بهدف تعطيل المؤسسات الديموقراطية.
المعروف أن الأجهزة الأمنية الألمانية عقدت اجتماعاً لها في مدينة كولونيا في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، واتخذت إجراءات تقضي بوضع معظم هواتف ووسائل الاتصال داخل مقرات الجمعيات والروابط الإسلامية تحت الرقابة والتنصت، كما أعلنت رسمياً وضع «رقم خط هاتفي عام» بخدمة «المواطنين الصالحين» وهو على اتصال مباشر بدوائر الأمن والشرطة للإفادة عن أي تحرك مشبوه.
وتفيد مصادر أمنية ألمانية أن إجراءات الحيطة والحذر قد ازدادت بعد تصريحات البابا بنيدكتوس السادس عشر الأخيرة، التي تضمنت إساءة بحق المسلمين، وذلك خوفاً من وقوع ردات فعل انتقامية على الأراضي الألمانية. وتضيف المصادر إن العملية الأخيرة الفاشلة، التي هدفت إلى تفخيخ قنابل في محطة القطارات العامة، جاءت انتقاماً للرسوم الكاريكاتورية الشائنة، وهذا يعني أن «أرضية الانتقام وردات الفعل» لا تزال «طازجة» وعرضة للانفجار في أي وقت. لهذا فإن المؤتمر الإسلامي اليوم له فائدة أساسية أقلها «الاستماع إلى مطالب الآخرين» والتنسيق لمعالجة أي خلل يهدف إلى تعطيل الحياة الديموقراطية وتعريض حياة الأبرياء إلى الخطر.
ويبقى أنه في مجال الانتقادات التي توجه إلى أعمال «المؤتمر الإسلامي الاول» الذي ينعقد اليوم في برلين، انتقاد ليس بإمكان وزارة الداخلية الألمانية والأجهزة الاستخبارية إدراكه. ويطال هذا الانتقاد جدول أعمال المؤتمر، الذي يشير إلى حفلات تناول الطعام والشراب خلال يوم انعقاده، من دون أي إدراك من أصحاب الدعوة في وزارة الداخلية الألمانية أن المدعوين المسلمين هم في صيام شهر رمضان، وهذا يعني أن الطعام والشراب لا ضرورة له.