باريس ــ بسّام الطيارة
لا يزال طرح الرئيس الفرنسي جاك شيراك لمؤتمر دولي لمعالجة أزمة الشرق الأوسط يثير تخبطاً وتساؤلات لدى المعنيين على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويدفع إلى تكهنات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الفكرة «التي ولدت ميتة»، بحسب تعبير أحد المراقبين الذي يعيد أسباب هذا الإرباك إلى أن الرئيس الفرنسي لم يُشرك واشنطن بالفكرة قبل طرحها على وسائل الإعلام عشية لقائه الرئيس الأميركي جورج بوش.
إلا أن مصدراً مقرباً من مركز القرار في الأمم المتحدة، قال إن طرح شيراك جاء ضمن مناورة لتحسين أوراقه التفاوضية مع بوش عشية لقائه إياه. وأشار إلى التفسير الذي أعطاه المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية لأهداف هذا المؤتمر وهي «وضع مسبق لضمانات يمكن تقديمها للأطراف بعد أن تكون قد توصلت إلى اتفاق»، بالإضافة إلى إيجاد إطار إقليمي جماعي لتكامل اقتصادي ولحوار بين الحضارات، على أن يكون العمل مستنداً إلى قرارت الأمم المتحدة ذات الصلة. أما بالنسبة إلى المشاركين في هذا المؤتمر والمواضيع التي من الممكن أن يتطرق إليها، فهي لا تزال في طور التحديد، بحسب المتحدث نفسه.
ويرى مراقبون أن شيراك أراد خلال الطرح التحضير لمقابلة بوش قبل الدخول في ما ـمكن تسميته «مفاوضة بوش على دور فرنسا في المنطقة». ويستطرد قائلاً: «فتش عن لبنان»، الذي هو الآن محور الديبلوماسية الفرنسية في المنطقة. ويتابع المراقبون أن الرئيس الفرنسي كان يعرف أن الأميركيين ينتظرونه للحديث عن البند السياسي المذكور في القرار ١٧٠١، والذي برأي واشنطن، يجب أن يكمل قرار وقف إطلاق النار للوصول إلى الحل السياسي.
وفيما يفضل شيراك تأجيل البحث في هذا البند لأسباب تراها الديبلوماسية الفرنسية ضرورية نظراً لقراءتها للأحداث على الأرض اللبنانية، ترى واشنطن ضرورة المضي قدماً لتثبيت العامل السياسي قبل أن تتطور الأمور وتعيد بعض الأطراف تعزيز قواها.
ويبدو أن المناقشات لا تزال تتأرجح حتى اليوم بين قرار دولي جديد يؤسس للحل السياسي ويكون في الوقت نفسه حاملاً لبعض التغيرات في قواعد عمل القوات الأممية، وهذا هو الحل المطروح أميركياً، وبين الاكتفاء بتغيير قواعد عمل القوات الدولية عبر اللجنة التقنية في نيويورك «وبأقل قدر ممكن من الضجة الإعلامية»، وهو الحل المفضل لدى فرنسا التي تتخوف من انفجار كبير في المنطقة «في حال انطلاق ماكينة مجلس الأمن مرة ثانية لاستصدار قرار جديد».
ويقول مراقب لما يدور بين واشنطن وباريس إنه «يمكن قراءة تطور المفاوضات عبر متابعة ما يحصل في جنوب لبنان»، مشيراً إلى أن التحركات الإسرائيلية وتمسكها ببعض النقاط داخل الحدود اللبنانية يدخلان ضمن لعبة المفاوضات هذه. وكذلك الأمر بالنسبة للانتهاكات الجوية «ذات الوقع السلبي إعلامياً وغير المفيدة عسكرياً التي تسعى فقط لإبقاء نار المفاوضات حامية».
ويبدو أن إسرائيل ترى أن موقفها التفاوضي إلى جانب واشنطن هو الأقوى، حيث إن لفرنسا جنوداً على الأرض وإنه يمكن الضغط على فرنسا إما بـ «تسخين الاحتكاك»، كما حصل قبل يومين، أو بالحديث عن تغيير قواعد الاشتباك مع ضجة إعلامية يرافقها التلويح برفض الانسحاب ما دامت قواعد اللعبة لم تتغير. وفي ذلك إحراج كبير للقوات الفرنسية في الجنوب اللبناني وللديبلوماسية الفرنسية تجاه حلفائها اللبنانيين. ويبدو أن الموقف الفرنسي بدأ يلين قليلاً باتجاه القبول بتغيير قواعد الاشتباك من دون ضجة، إذ صرح الناطق الرسمي أمس بأنه «من البديهي أن هذه القواعد قابلة دائماً للتغيير حسب تغيّر الأوضاع على الأرض».
ويتوقع استمرار التوتر المرافق لما يحصل في الجنوب من كر وفر إسرائيلي مع تلويح بانسحابات لا تحصل، حتى يتوصل الفرنسيون والأميركيون لشكل متفق عليه لما بات يسمى «القرار الثاني» أو لشكل جديد من قواعد الاشتباك التي ترضي الإسرائيليين.